من جيبه فدفعها إلى الفتاة. . .
وقرأت الفتاة الأغنية، ثم ردتها إلى الرافعي وهي تقول: (جميل. . . شعر عاشق!)
قال الرافعي وهو يشير إليَّ مبتسما: (إنها أغنيته!)
قالت: (إيه. . .! أعاشق هو!)
قال الرافعي: (نعم!. . . ومن أجلك صنع هذه الأغنية!)
ومضت فترة صمت، وصبغت حمرة الخجل وجه الفتاة، وتولتني الدهشة مما سمعت فما استطعت الكلام، ونظر الرافعي إليَّ نظرة طويلة لم أفهمها، وكان بي من الحياء أضعاف ما بالفتاة. . . وكانت دعابة غير مألوفة ولا منتظرة، أوقعتني في كثير من الحيرة والارتباك. . .
وقطعت الأم هذا الصمت الثقيل قائلة: (أغنية رقيقة!)
وردد الشاب صدى صوتها يقول: (. . . رقيقة!)
وثبتُّ في مكاني لا أتحرك، لا أرى أمامي غير تلك الابتسامة الغامضة على شفتي الرافعي. . .
ثم نهضت الفتاة إلى الغرفة الثانية وعادت بطبق الحلوى فقدمته إليَّ؛ ثم إلى الرافعي؛ واتخذت مجلسها إلى جانبي. . . وعاد الحديث ألواناً وأفانين بين الجماعة وأنا صامت في مجلسي لا أكاد أفهم ما يدور حولي من الحديث!
وجعلت أسائل نفسي وأكاد أنشق غيظاً: (ترى ماذا حمل الرافعي على هذا القول. . .؟)
فلما انفض المجلس وخرجنا إلى الطريق نظرت إلى الرافعي مغضباً أسأله جلاء السر، فضحك ملء فمه وهو يقول: (قصة طريفة. . .) لقد عقدنا العقدة فانظر في طريقة للحل. . . سيكون فصلا أدبياً ممتعا يا شيخ سعيد، تكون أنت مؤلفه وعليَّ أن أرويه؛ لقد سئمنا الخيال فالتمسناك وسيلة إلى الحقيقة. . .!)
وغاظني حديث الرافعي أكثر مما غاظني الذي كان منه فتمردت عليه، ولكن الرافعي عاد يضحك ويقول: (أتراك - إن أبيت - تستطيع أن تمنع نفسك الفكر فيها وأن تمنعها؟ لقد بدأت القصة فما بدٌّ من أن تكون لها خاتمة!)
وضقتُ بهذه الدعابة وثارت نفسي فأخشنتُ القول؛ فزاد به الضحك وهو يقول: (وهذه