واعداني مرح الرافعي وانبساطه فضحكت، ثم لم أجد للجدال فائدة فسكتُّ على غيظ ضاحك. ولقيتُ الفتاة بعدها مرتين فتناسيت ما كان ولم أسأل نفسي عن شيء من خبرها. . . ومضى زمان، ثم جاءني الرافعي يوماً يقول:(أن بينك وبين صديقنا الأديب ج لشيئاً؟) قلت: (ماذا؟)
قال:(أحسبه يغار منك على خطيبته الآنسة ق؛ فأنه ليعلم أن بينكما عاطفة. . .!)
وقال لي ع الذي صارت ابنته في داري من بعد:(أتراك كنت مع الرافعي أمس في زيارة فلانة؟) فتوجست من سؤاله شيئاً. . .
وكادت تكون قصة كما أراد الرافعي ولكني حسمت أسبابها فراراً بنفسي!
. . . من مثل هذه الحادثة كان يلتمس الرافعي موضوعاته ويبدع معانيه في المرأة والحب والزواج ومشاكل الأسرة؛ ومن هذه المجالس التي كان يصطنعها أو يسعى إليها ويهيئ أسبابها، كانت تنجلي له الفكرة ويومض الخاطر وتتشقق المعاني؛ ومن هذا الجوّ زخرت نفسه بالعواطف النابضة التي ألهمته من بعد أن ينشئ ما أنشأ من القصص لقراء الرسالة، ومنها كانت قصص الأجنبية، وسموّ الحب، والله أكبر، واليمامتان، وغيرها، وما أعني أن ذلك كان يملي عليه القصة والموضوع، إنما كان يمده بالمعاني والخواطر حتى يملأ نفسه ويوقظ حسه؛ فما تزال هذه الخواطر والأفكار مضمرة في الواعية تزبد وتتوالد وينضم شيء منها إلى شيء حتى يأتي وقتها؛ فإذا همّ بموضوع مما يتصل بهذه الخواطر المضمرة انثالت عليه المعاني انثيالا حتى يتم الموضوع تمامه على ما يريد.
ولما قص الرافعي قصة (الأجنبية) وحكى حكايتها على لسان ولده الدكتور محمد، أحس بالتعب والملل، وراجع ما كان من عمله في الأشهر الستة الماضية منذ بدأ يعمل في الرسالة، وما عاد عليه؛ فضاقت نفسه وبرمتْ به، وأحس في نفسه شعوراً جديداً ليس له به عهد، وقال لنفسه وقالت له، وثقل جسمه في الفراش بما يحمل في صدره من هم وما يضني جسده من علة؛ وخفت روحه إلى سماواتها، وتنازعته قوتان. . . وهم أن يكتب إلى الأستاذ صاحب الرسالة ليعفيه من الاستمرار في العمل. . . وطال الحديث بينه وبين نفسه فأرّقه ليلة. . .