للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[القرآن والمسلمون]

للأستاذ الشيخ محمود شلتوت

وكيل كلية الشريعة

(بقية ما نشر في العدد الماضي)

القرآن والمسلمون في العهد الأخير

وصلت إلينا هذه الثورة التي دونت في بطون الكتب ووضعت موضع التدقيس؛ وهي من الخلط والخبط وتشويه معالم الدين على ما وصفنا

فأقعدت الناس عن النظر في القرآن، وملأت أذهان الناس بألوان من الأوهام الفاسدة عن التشريع والعقيدة، وما يحل وما يحرم؛ وصار كثير من المسلمين يعتقدون أن الحلال ما أحله فلان في كتاب كذا، وإن الحرام ما حرمه في كتاب كذا؛ وأن فلانا ذكر في معنى الآية الفلانية كذا وكذا. بل وصل الأمر ببعض أهل العلم إلى أن يقول: أن هذا الشيء ثابت في القرآن، لأن فلاناً وفلاناً حملوا عليه بعض آيات الكتاب الحكيم!

لم يستطع الجمهور أن يستخلص خطة عملية واضحة من القرآن بطريق مباشر، ولم يستطع أن يعتمد على هذه التفاسير الموروثة في استخلاص هذه الخطة التي هو في أشد الحاجة إليها

أما أنه لم يجد غرضه وحاجته في هذه التفاسير فذلك يرجع إلى ما في كثير منها من الحشو والتخليط والاعتماد على الروايات التي لا تصح

وأما أنه لم يستطع الوصول إلى هذا الغرض من القرآن مباشرة، فلأن هؤلاء القائمين على أمر القرآن من أهل العلم أوهموا الناس - لغرض ما - أن فهم القرآن ومحاولة النظر في آياته، بدون استعانة بكتب السابقين وآرائهم التي دونوها غرض بعيد لا يصل إليه إلا الأفذاذ من أهل العلم وأصحاب العقول الراجحة، وإن من يطمع في ذلك أو تحدثه به نفسه من غير أن يستكمل شروطه، فقد عرض نفسه لغضب الله!

يومئذ تصور الناس القرآن كتابا عزيز المنال، بعيداً عن الأفهام، فهابوه ويئسوا من الوصول إلى معانيه، وتقبلوا فيه وساطة هؤلاء المحتكرين، وتلقفوا من أفواههم ما جادوا به

<<  <  ج:
ص:  >  >>