عليهم، واقتنعوا به من القرآن كوسيلة من الوسائل يداوون بها ضعفهم النفسي والاجتماعي
انفتح لهم بهذا باب من الانتفاع بالقران لا عن طريق النظر في آياته أو التدبر في معانيه أو معرفة هدايته وإرشاده، ولكن على أساس ما تلقفوا من هؤلاء، فصاروا لا يعرفون القرآن إلا على نحو من الأنحاء آلاتية:
١ - التعبد بتلاوته مجردة عن التدبر والاعتبار لا تعدو أن تكون حركات لفظية تضطرب بها الشفاه، وتغمغم بها الخياشيم ومن وراء ذلك قلوب عليها أقفالها
٢ - التبرك به، فاتخذوا منه التمائم والاحجبة والرقي والتعاويذ!
٣ - استنزال الرحمة به على موتاهم فجعلوا يستأجرون لذلك القراء المحترفين ليقرأوه في البيوت أحياناً وعلى القبور أحياناً لقاء اجر معلوم، ومال مقسوم
٤ - التماسه دواء للأمراض والعلل الجسمية عن طريق تلاوته أو كتابته أو التبخير به أو محوه بالماء ثم شربه
٥ - اتخاذه وسيلة لاستدرار عطف الغادين والرائحين، فتسولوا به في الطرقات وأمام المساجد وعلى أبواب البيوت في صور تنافي الكرامة ولا تتفق مع التقديس
وهكذا اخذوا ينتفعون بالقرآن، أو بعبارة أدق يستغلون القرآن على هذه الأوضاع المزرية التي لا تليق بكتاب أنزله الحكيم العليم ليخرج الناس من الظلمات إلى النور
قد يجد الناظر في كتب السنة ما يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في رقيته شيئا من القرآن كالفاتحة وغيرها، كما أنه قد يجد في كتب الفقه ما يدل على مشروعية القراءة وهبة ثوابها لأرواح الموتى
وسواء أصح هذا أم لم يصح، وسواء أكانت الرقية ونفعها لخصوصية في نفس الراقي، أم لأسرار ذاتية تحملها آيات القرآن وحروفه، فإن الذي ننكره على المسلمين اليوم ونلقي التبعة فيه على علمائهم أن ينبذوا كتاب الله وراءهم ظهرياً في كل شيء، ويتخذوا هذا القرآن مهجوراً إلا في هذه النواحي التافهة التي لا تقاس بجانب عظمة القرآن
إلا إن في ذلك لتصويراً للقران بصورة تنبو عنها الأذواق ودعاية سيئة عنه أمام العقول المفكرة لو كانوا يعلمون
استطار شرر هذه النزعة، وتفشى وباؤها، حتى تأثرت بها أذهان المفكرين من أهل العلم