أما الإنسان فهو عند هيجل الكائن الفرد الذي يتوسط بين الكائنات كيف يشاء، ويدرك نفسه بنفسه. الإنسان هو روح: روح ذاتية لا تحس إلا بحريتها الخاصة، ولا تعمل إلا على ما يضمن لها النصر على ما حولها. وروح اجتماعية تحترم حريات الناس وتراعى حقوقهم. وروح مطلقة تسمو على التقاليد المادية، يفني إزاءها كل شيء من كل شيء تواضع عليه الناس. روح تعود إلى نفسها لتجد في نفسها (المثال الإلهي) فلا تجده غرضاً تسمى اليه ولكن تجده حقيقة شاملة أدركتها فيما أدركت. . .
وقد وجد هيجل ثلاث شعب في العلوم: العلوم النفسية، والعلوم الأدبية، والعلوم الدينية. . . وقد شطر العلوم الدينية ثلاثة فروع: الفن، والدين، والفلسفة؛ أما الفن فهو أول تجربة قامر بها الروح ليتشبه بالوجود، فالفنان يذهل عن نفسه حين يتأمل في عمله. والفن - في الحقيقة - هو يقظة من يقظات الوحي ولمعة من لمعات العبقرية. والدين يفسر معاني الألوهية برموز وألغاز. وفي النهاية وجد الإنسان ربه في نفسه، وها هنا تسامى الدين إلى الفلسفة، وولد الآلةفي روح النسان، وتألف العلم المطلق، وبسط به الإنسان سلطته على الكون، وأدرك به غرضه. هذا هو الفيلسوف الذي يستطيع أن يغلق كتاب الوجود دام انتصار مدرسة (هيجل) خمسة عشر عاماً، لا تسمع فيها إلا صوت هذه المدرسة التي ملكت على القوم، وفرت من وجهها كل مدرسة؛ ثم أخذت تهوى عن عرشها لأن العقل المخدر آن أن يصحو، فبدا له ما هو في هذه الآراء - برغم اشتهار صاحبها بقوة عارضته وقوة منطقة - من تناقص واضطراب. ففي عالمه السياسي والإلهي قد ظهر الاختلاف على أشده، وجد (هيجل) في صاحب الديانة المسيحية شخصية سامية يمازجها روح الإله. ولكنه في فصل آخر يقر بأنه لا يجد في الدين إلا تعاليم آخذه طريقها إلى الفلسفة، حيث تفني في الفلسفة كل عناصر الايمان. وأما آراء (هيجل) في التاريخ فهي آراء عقلية، يتحدث بها عن عقل الفرد وعقلية الأمم، ويرى تاريخ الحرية هو تاريخ العالم. أما العصر الشرقي فهو عصر الحكم المطلق، والعصر اليوناني الروماني هو عصر الحرية الجزئية