وعصر الأحزاب والاسر والعبودية، والعصر الجرماني هو عصر النهضة والبعث والثورة، ويقبل هيجل على العصر الحديث ويذكر أن الدولة هي هيئة من هيئات الفكر، ولا بد لهذه الهيئة أن تتمثل في صاحب السلطة والسلطان. وهو لا ينصر مذهب توزيع السلطة خشية أن يثير ذلك الضغائن ويخلق الفتن ويوقع العراك في الأهواء. وهو يقدملنا - بعدها الحوار الطويل - حكومته البروسية بعد معاهدة (١٨١٥) مثلاً سامياً للدولة. وهكذا لا يمكن للفيلسوف أن يتجرد من نعرته القومية حتى المباحث التي ينبغي لصاحبها أن يكون مجرداً بعيداً عن الهوى
مذهب المثال الكمالي
وأخيراً ماذا ظل راسياً من مدرسة (هيجل) في الصرح الفلسفي؟ أم ماذا بقي من ذلك الاتجاه العنيف نحو فلسفة (الواحد المطلق) الذي جرى وراءه فيخت وشيلنج وهيجل؟
إن (كانت) في كتابه نقد العقل المجرد أجاب بأن معارفنا لا تضع لنا جواباً شافياً عن حقائق الأشياء، ولكنها تقرب لنا صورها بطريق الحواس، وهذا الوجود لا نراه على حقيقته التي هو عليها، وإنما نراه على الحقيقة التي تبدو لنا منه. وجاء فيخت بعده فجعل من (الذات) ملجأ للحقيقة كلها. والأشياء الخارجة عن كياننا لا يُكتب لها الظهور إلا في اللحظة التي تعالجها الذات وتمعن فيها تفكيراً. , والإنسان بما أوتي من عزم وقوة لم يكن يوماً بكائن بسيط يدفع القوى المحدقة به، ولكنه يريد أن يُسيطر على العالم حتى يتمكن من شعوره بنفسه. ولكن ماذا آلت اليه الطبيعة - في مذهب فيخت - ومعانيها المتدفقة الحساسة؟ أنها قد صُرعت وتجردت من كل المعاني، فجاء شيلنج فعمل على مزج الفلسفة بالفن، وجرب أن يوحد بين العالم والكائن المفكر. الإنسان والطبيعة يجب أن يتحدا ويكون واسطة اتحادهما العقل المفكر والإحساس بالجمال. . . . وهكذا عاد مذهب سيينوزا القائل بأن الله إنما هو كل الكائنات، عاد هذا المذهب بصورة أوسع أفقاً من صورته الأولى، يتوسع في الحرية الإنسانية، وينطوي على فكرة فنية
بلى، إن مذهب المثال الكمالي الذي دان به الفكر الألماني مصدره المذهب القائل (بأن الآلة الواحد إنما هو كل الكائنات) وهذا (هيجل) هو الذي ثبت هذا المذهب بدستوره الذي جاء وليد جهود رفيعة تريد أن تشيد العلم الإنساني، ثم تبلغ بهذا العلم نفسه منزل الحقيقة