السامية. فتطور الحياة العُضوية في الطبيعة، وتعاقب الأصول البشرية، وتتابع المدنيات في التاريخ إن هي إلا وجوه متقلبة لأصل واحد. وهذه هي الدائرة التي يجوزها الفكر المطلق عاملاً على تحقيق قوته المبدعة، وراجياً في النهاية أن يتم تعارفه مع الروح الإنسانية. . . الآلة لم يكن. . ولكنه عاد. . . ووُلد في الإنسان. إن معنى الوجود هو أضعف معنى؛ وهل معناه إلا أن تبدو لحظة من الزمن على مسرح هذا العالم المتبدل ثم تعود إلى أصلك؟ كل شيء يزول يدل على أن فكرة بزواله تمت، أما حركة الحياة فانها تمهد في معنى مجرد لا تدركها الأنظار
إن فلسفة هيجل حين جعلت من الروح الإنسانية ملجأ كل معرفة ووعاء كل حقيقة، أصبح المتدين بها يعرف الروح الإنسانية، ولا يعرف مما حولها شيئاً؛ هو يزعم أنه يحلل الكون ويعلل حوادثه ويشيد دعائمه بفكره، ولكنه في الحقيقة لا يتخطى - في ذلك - حدود العالم الصغير الذي يضم الإنسان عليه جوانح صدره
لابد لمن أراد أن يلم بتطور الأدب الالماني في منتصف القرن التاسع عشر أن يقع على أسباب تلك السآمة التي تمشت في عروق ذلك الأدب، ففي غرة هذا القرن اقتحم (نابليون) ألمانيا، وعليها على أمرها؛ فأذعنت أو همدت قليلاً والنار تسطع خلل الرماد، وهي في الحقيقة لم تنفض عنها أملاً ولم تدفع مأملاً، والحركة الفكرية التي ولدها اولئك الفلاسفة تدل على ان مرناها لم تزغ عنه الابصار، وان آثارها لم يطمس عليها طامس؛ وبعد حبوط تلك الآمال النازعة إلى حرية الشعب الألماني ولم شعثه بعد التفريق، خيم على الجهة الألمانية شبه سكون لا يتمخض بحياة! ولكن الأدب لا يموت، ولكنه يثور ويتحرك في الأقطار المذللة حيث ترى أصحابها مدفوعين دفعاً إلى الحياة، والتاريخ وحده ظل دائباً ساعياً وراء الغاية دون أن يقف سيره شيء، أما صوت الشعر فقد خفت، والمخيلة نامت إلى حين
في هذا العصر وجدت فلسفة (هيجل) مزاحماً جديداً عنيفاً، هو تشاؤم (شوينهاور) ومما ساعد على انتشاره قوة بيان صاحبه، وهيجل كان أسلوبه غير بياني، فتهافت الناس بعقولهم وقلوبهم على المذهب الجديد
ما قامت فلسفة أذيع وأسير من فلسفة (هيجل)، فقد كانت تياراً قوياً تقذف بالنفوس إلى مسكن (المثل الأعلى) ولكن تأثيرها سرعان ما وهي، وكان لهجيل. أنصار كثيرون أخذوا