نعرف أن للهر أدولف هتلر رئيس الحكومة الألمانية الحالية، وزعيم الحزب الوطني الاشتراكي الألماني، كتاباً كتبه أيام المحنة، وقت أن كان زعيم جماعة صغيرة وحزب ناشئ، وكان وقتئذ معتقلاً في إحدى القلاع يقضي حكماً صدر عليه لاشتراكه في مؤامرة دبرت في ميونيخ لقلب الحكومة. ولم يكن لهذا الكتاب الذي صدر في سنة ١٩٢٥ بعنوان جهادي أهمية سياسية أو أدبية، وفيه يقص هتلر سيرة حياته، ويعرض برنامج حزبه، وآراءه السياسية في أسلوب عادي لا يمتاز بشيء إلا بما يتخلله من المبادئ، والآراء المتطرفة. فلما تطورت الحوادث، وغدا هتلر زعيم أعظم الأحزاب الألمانية، واستولى على مقاليد الحكم، اتجهت الأنظار إلى كتابه، وتخاطفته الملايين، وطبع مراراً عدة، وترجم إلى عدة لغات، واتخذ أهمية جديدة يسبغها عليه مركز مؤلفه وما انتهى إليه من السلطان والنفوذ.
وقد رأى أحد الناشرين الباريسيين أن يخرج الكتاب باللغة الفرنسية لما للكتاب من خطر في نظر الجمهور الفرنسي بعد أن غدا مؤلفه أعظم خصم لفرنسا، فأرسل إلى شركة فرانز أيهر الألمانية التي فوضت جميع حقوق النشر يستأذنها في الترجمة، فأجابت بالرفض المطلق. والظاهر أن ذلك يرجع إلى أسباب سياسية أكثر مما يرجع إلى أسباب مالية، لأن الهر هتلر لم يشأ أن يطّلع الشعب الفرنسي على ما كتبه، وفيه كثير مما لا يدعو إلى الطمأنينة. ولكن الناشر الباريسي لم يعبأ بهذا الرفض؛ وأخرج لكتاب (جهادي) ترجمة فرنسية بديعة كاملة بقلم ثلاثة من الكتاب المعروفين. فبادرت شركة فرانز أيهر الألمانية إلى رفع الأمر إلى القضاء الفرنسي، واستصدرت أمراً بالحجز على النسخ المطبوعة لدى الناشر الباريسي، ورفعت عليه دعوى تطلب مصادرة النسخ المحجوزة، والحكم عليه بغرامة قدرها ألف فرنك عن كل نسخة، والحكم عليه فوق ذلك بتعويض مالي كبير.
وكانت نظرية الشركة الألمانية أمام المحكمة أن نشر الترجمة دون إذن يعتبر اعتداء واختلاساً، وقانون سنة ١٧٩٣ الفرنسي الذي يحمي الملكية الأدبية يعتبر ذلك (تزويراً) تترتب عليه جميع حقوق التعويض والمصادرة.