(كنت في المدرسة الثانوية - السلطانية العثمانية - قبل احتلال الجيش البريطاني بغداد بسنة أو أقل، أصاحب طالبا من ذوي الذكاء الواعد والخلق الجميل. كنت في السادسة عشرة من العمر. وكان هذا الصديق - وأسمه علي بن حسن - خير عون لي في المدرسة. وكنت أعجب بذكائه. . وكان طليقا جريئا يسمو على أقرانه بكثير من المزايا والصفات
وكان إلى جانبنا طالب آخر يكمل لنا (ثالوثا) مقدسا بالإخاء والود أسمه عبد العزيز. وهو من أبناء الطبقة العاملة. وكان أكبرنا سنا وأقلنا تهذيبا، وأجرانا قلبا، يقلدني وعليا في الاعتزاز برجال التاريخ الإسلامي العربي: أجدادنا الأولين. وذلكم كان ديدننا في ذلك العهد: فجر الحرب العالمية الاستعمارية الكبرى وضحاها
وكان أكثرنا حبا لبغدادنا وإيغالا فيها. . . يعاشر خارج المدرسة فتية من أبناء طبقته المكدودة فيشاركهم فيما يعتقدون من باطل العقائد والخرافات. وكان يرى - فيما يرى من غريب الآراء - أن القبعة العسكرية (الأنورية) التي ابتدعتها الحكومة الاتحادية إبان الحرب لرجالها ولطلبة المدارس، قبعة إفرنجية، حرام على المسلمين لبسها، أن رباط العنق رمز للصليب. ولم يلبس القبعة حتى أخر يوم من أيامه في المدرسة، فكان الطالب الوحيد البارز من بين الطلبة بطربوشه الأحمر القديم. أما أنا وعلي فقد لبسنا القبعة تلك لأننا لم نستطيع أن نشذ عن الجماعة شذوذه.
وكان هذا الصديق الجريء، يقضي أغلب أوقاته في منازعة الطلبة وتحديهم، فكنت أنصحه راجيا منه أن ينصرف عنهم وعن منازعاتهم إلى التوفر على دروسه فما كان النصح يجدي
وكان يؤسفني أنه عرف آخر الأمر بأنه شكس سيئ الخلق، وإن كان في الحقيقة طيب