السريرة خيرا. ولعلهم كانوا يعيبون عليه كرهه للبس القبعة (الأنورية) لغير ما سبب معقول. وكانوا يتخذونه وطربوشه القديم الذي أوشك أن يبلى هزوا؛ وهذا ما كان يهيجه. ولم يزده عقاب المدرسة إياه على شغبه إلا جرأة واستمرارا في الشغب والنزاع والخروج على (النظام)
وكما كان يكره القبعة، كان يكره الحكومة - الاتحادية - أشد الكره، لأنها حين اضطرمت نار الحرب جندت أخاه الكبير وأرسلته مع من أرسلت من أبناء العراق إلى سوح الوغى في القوقاز، ففقدت بذلك أسرته قوامها وسبب حياتها، كان قائما مقام أبيه الشيخ الكبير الذي لا يستطيع عملا، وكان يحسب أنه لاحق به في العاجل القريب
وظاهر أن هذا المسلك الذي سلكه عبد العزيز يومئذ كان يجب أن يؤدي إلى الشر. وكان يجب أن يكون مصيره (الطرد) من المدرسة والحرمان من العلم. وكان متوقعا كذلك أن ينالني بعض الأذى من أجله، فقد كان المدرسون والطلبة - إلا القليل منهم - يناوئوننا معا ويكرهوننا ويعادوننا أشد عداء. . .
واشتدت الحرب في العراق. وطغى سيل الغزاة الفاتحين. غلب البريطانيون، وأصبحوا على أبواب بغداد، فتنكرت الأيام للناس، وجندت الحكومة طلبة الصفوف العالية، وأكبت على طلبة الصفوف التالية الأخرى تعلمهم كما تعلم الجند فنون الحرب والضرب وتقحمهم في أشق الرياضات العسكرية لتلحقهم بهم. وهنا كان صحبنا الطلبة جميعا - في مدرستنا - جبناء، يملأ قلوبهم الرعب والخوف
أما عبد العزيز فقد استيقظ في نفسه من جراء ذلك شعور بغض للمدرسة، بغض للخروج مع الطلبة - على ما كانوا يفعلون في كثير من الأحيان - إلى استقبال القواد وحضور الحفلات الحكومية، بغض لمدرس الرياضة الذي أرسل إلينا آنئذ من الجيش، وهو ضابط فظ بدين، ذو شاربين غليظين منتصبين كالصياصي. . . وكان يخشاه
وكان - من بعد - حين يخرج من بيته صبحا يتلكأ في الذهاب إلى المدرسة، ويحاول أن يتمارض لكي ينقطع عنها أياما قليلة أو كثيرة. كان يغادر البيت كل صبح، وكأنه - كما كان يقول لي - يساق إلى سجن لا إلى دار علم وعرفان
وجاءنا إذ ذاك مدير المدرسة جديد. وهو رجل عنيد، كان يحسبنا مجموع دمى من الشمع