تلك هي الكثرة الكاثرة من مسلمي اليوم! وربما كان الأشبه بالحق أن نصفها بشر من السذاجة؛ فإن أيلولة الدين في نفوس أهله إلى هذا القدر العامي من العبادة الشكلية، والزهد الكاذب، والتفويض الذليل، والورع المنافق، والتصرف المشرك، هي الفساد بعينه. وماذا بعد أن ترى كتاب الله وسنة رسوله يقرآن لالتماس البركة لا لاكتساب الفقه، ودستورَ الإسلام وفلسفة وحيه يدرسان لمجرد العلم لا لإرادة العمل؟
وماذا بعد أن ترى الأحكام والآداب والأنظمة التي أصلحت الأرض ومدنت الخليقة، تصبح في الجوامع والمجامع رهبنة وشعبذة لا يستقيم عليها فرد ولا تنتظم بها جماعة؟
لقد كان من أثر فساد العقيدة في النفس أن فسدت آثارها في الناس؛
فالفقه في الدين تفيهق وجدل، والصلاح في الدنيا تبطل وفشل، والعبادة
مظاهر آلية لا أثر فيها للروح ولا صلة لها بالقلب، والأخلاق مياسم
وراثية تنطق بالحق على ذلة الماضي وجهالة السلف، والمعاملة
ألاعيب اجتماعية تخادع الله وتزعم لنفسها الرضى والسكينة!
تذكر معنى الزكاة في دين الله ثم قل لي أين منها ما كان يصنع أحد شيوخ الأزهر وقد كان يملك في القاهرة شوارع بما عليها من البُنى عن شمال ويمين؟ لقد حدثوا أنه كان يجعل زكاة ماله كلما حال الحول في قفة؛ ثم يغطي الذهب والفضة بطبقة من الحنطة؛ ثم يأمر فيأتونه بأحد المساكين الذين يتكففون على حاشية الطريق، فإذا أدخل عليه قال له:
(هذه زكاتنا يا رجل آثرناك بها ابتغاء مرضاة الله)
فيدعوا المسكين ويهم بأخذ القفة؛ ولكن الشيخ قارون يريد أن يخفف عنه ويختار له، فيبادره بقوله:(وماذا تصنع بها يا رجل وليس عندك من تطحن وتعجن وتخبز؟ أتبيعني إياها بكذا قرشاًً؟) فيلهج المسكين بالدعاء، ويبالغ في الحمد والثناء، ثم ينصرف بالقروش وتعود مئات الدنانير المروّعة آمنة إلى صدر الخزانة الحنون!
تدبر فكرة الصدقة الجارية في سنة الرسول ثم أخبرني أمنها ذلك البناء المربّع الذي أقامه أحد القضاة المتقين قي وسط شارع حسن الأكبر، ثم أجرى في قلبه الماء، وأوقد على رأسه