(إلى صاحب القلب الكبير الذي كتب (من وراء الأبد). . .
إلى صديقي الأستاذ أنور المعداوي أهدي هذه القصة).
عزيزي. . .
حين تصلك رسالتي أكون قد غادرت أرض الكنانة ميمماً شطر وطني. . . وبين جوانحي قلب مضطرب، ونفس مغممة بشتى الأحاسيس. . . قلب جريح تجرع كؤوس الأسى مترعة، ونفس عصفت بها رياح صارمة فخلفت أرض مصر زهوراً. ذابلة هي ذكريات ليال وأيام؛ ستظل رؤى مرة في فكري لا يطردها النور، وجذوة مستمرة في قلبي لا يخمدها تقاوم العهد، وتطاول الأيام.
كنت تسألني كثيراً والابتسامة على شفتيك عن سبب سكناي في مصر الجديدة، والشقة بعيدة بينها وبين جامعتي، فأقابل ابتسامتك بابتسامة، ويظل سؤالك من غير جواب.
وأراني الآن مدفوعاً بقوة صارمة صادرة من أعماقي إلى أن أقص عليك طرفاً من تاريخ قلبي، علك تشاركني آلامه، وأشجان دنياي.
لست أدري السر في أن الإنسان يستطيع أن يكتم كل شيء إلا الحب والبغض، حتى أصبح هذان الأمران محورين أساسيين للانسانية: الحب يبني، والبغض يهدم.
فلا جناح عليّ - إذن - في أن أقول لك: إنني أحببت. . . نعم أحببت حباً امتزج بدمي، وطوق روحي، وشغلني عن كل شيء، فظللت أهيم في زورقي، والأمل سد أقطار الحقيقة عني، ومنافذ النور عن بصيرتي، ورحت أدنو إلى الشاطئ الثاني، والضباب قائم من حولي، وفي أغواري الظلمة واليأس المرير.
إنني لأذكر أول لقاء لي بها في أحد تلك المقاهي المخضلة الأضواء وقد عرفني بها ضابط مصري عشت معه في دار واحدة زمناً طويلاً. . . وقد كانت شعلة من إغراء، وقد بدت لي صغيرة. . . صغيرة جداً حتى عبق في وجهي عطر الطفولة الآسر. . وكانت الابتسامة