جبرائيل تقلا باشا - مصادر الثروة اللغوية - محاكمة العقاد!
جبرائيل تقلا باشا
قرأت أكثر ما كتب في رثاء الصحفي الكبير جبرائيل تقلا باشا، ورأيت كيف ختمت حياته بتبجيل وتعظيم وإجلال، فماذا بقي من القول بعد تلك الصحائف من جميل الرثاء!
لم يبقى إلا أن أشير إلى بعض السر في نجاح ذلك الرجل، لأن حياته تصلح قدوة لرجال الأعمال
أذكر أولاً أن الرجل جعل الغاية من حياته أن يكون صاحب أكبر جريدة في الشرق، وهي غاية تمثلت له بوضوح، وبدت له في عظمة تستحق بذل العمر كله في صيانتها من عوارض الضعف والاضمحلال
وأذكر ثانياً أن الرجل رأى أن الأعمال العظيمة لا تنهض بغير معاونين أمناء، فجعل من خطته أن يكون الاشتراك في تحرير (الأهرام) ضمانة من المتاعب المعاشية بحيث لا يحتاج من يعمل معه إلى التفكير في صحبة غيره، ولو كان ذلك الغير شخصية تحمل أضخم الألقاب
وأذكر ثالثاً أن الرجل نزه جريدته عن الأذى بجميع صوره فعاش بلا أعداء، وهذا الجانب من الحياة الصحفية يوجب ألواناً من جهاد النفس لا يصبر عليها غير كبار القلوب
والذي يتصور ما صنع هذا الرجل لجريدته يعجب من براعته وقدرته على التصرف، فللأهرام مكاتب كثيرة في الغرب والشرق، وما كان يمكن أن تقوم تلك المكاتب بدون أن تكون الثقة بهمته وكفايته وأمانته مضرب الأمثال
وهنالك جانب سكت عنه من رثوا هذا الرجل، فما ذلك الجانب؟
هو فهمه الدقيق للأحوال الجوية، فكان يعرف ما يُلبس. لكل وقت، فلم يتعرض للحر ولا للبرد، وكانت الحكومات المتعاقبة تعجب من فهمه ذاك، ولا يؤذيها أن يكون في مصر صحفيٌّ يعرف اتجاهات الرياح قبل هبوبها
ومع هذا قتلته مروحة غزت صدره بهواء عجز عن دفعه الأطباء، ولكل أجل كتاب.