والدقة المشتقة من الطبع سبيل الوضوح. لأن غموض الكلمة ينشأ من غرابتها أو اشتراكها، وغموض الكلام ينشأ من تعقده أو فساده. والغرابة والاشتراك والتعقد والفساد هي الأضداد الطبيعية لمعاني الأصالة
ومن بدئه العقل أنك تفهم لتكتب، وتكتب لتُفهم. ولكن من الكتاب من ينسج قبل فرز الخيوط، ويكتب قبل درس الفكرة، فيلتاث عليه الأمر. وإن منهم من يحسب أن الوضوح ينافي العمق، والبساطة تجافي الدقة، فيغرب ولا يعرب، ويجمجم ولا يترجم؛ ثم يسمي هذا الغموض فنا وذلك العجز رمزاً. على أننا لا نقصد بالوضوح أن يسفر لك الكلام عن معناه كله لأول وهلة؛ إنما نقصد به الوضوح الفني الذي يتراءى خلال النقاب الشفاف والظلام المضيء والعمق الصافي؛ وهو بالطبع أكثر دلالة وأشرق بياناً وأروع جمالاً وأطول وحياً من ذلك الوضوح الساذج الذي يعرفه الكاتب الجاهل، ويطلبه القارئ الغبي.