للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأجرام السماوية ذوات الأذناب]

للأستاذ قدري حافظ طوقان

أبو تمام والمذنبات

كان الناس في القرون الوسطى يخافون من أكثر الظواهر الطبيعية ولا سيما المذنبات، وكان الملوك والأمراء وذوو النفوذ يأخذون برأي المنجمين قبل الشروع في أي عمل من أعمالهم. ويروى أن المنجمين كانوا حذروا الخليفة المعتصم بالله من فتح عمورية عندما عزم على الاستيلاء عليها، وقالوا له: إنا نجد في الكتب أنها لا تفتح في وقت نضج التين والعنب!

ولكن الخليفة الحازم العاقل لم يسمع لأقوالهم وسار بجيشه وفتح عمورية وكان انتصاره مبيناً. وهنا يأتي دور أبي تمام حبيب بن أوس فيمدح الخليفة المنتصر ويذكر له فتح عمورية في قصيدة خالدة يحمل فيها على المنجمين ويكذبهم في تنبؤاتهم واختلاقاتهم ويقول لهم: إن العلم الحق إنما هو في السيوف وليس في النجوم، وإن أحاديثهم كذب لا أصل لها:

والعلم في شهب الأرماح لامعة ... بين الخميسين لا في السبعة الشهب

أين الرواية، بل أين النجوم وما ... صاغوه من زخرف فيها ومن كذب

تخرصاً وأحاديثاً ملفقة ... ليست بنبع إذا عدت ولا غَرب

ويظهر أن المنجمين كانوا خوفوا الناس عند ظهور المذنب سنة ٨٣٧م - ٢٢٢هـ أي قبل فتح عمورية بسنة واحدة فتراه يقول في ذلك:

وخوفوا الناس من دهياء مظلمة ... إذا بدا الكوكب الغربي ذو الذنب

وهذا المذنب هو مذنب (هالي)، وقد قال عنه ابن الأثير: (. . . وفي هذه السنة ظهر عن يسار القبلة كوكب، فبقي يرى نحواً من أربعين ليلة وله شبه الذنب، وكان طويلاً جداً فهال الناس ذلك وعظم عليهم. . .).

وبينما نرى أبا تمام لا يعبأ بالمذنبات ولا يعتقد بما نسج المنجمون حولها من خرافات وتنبؤات ويضرب بأقوالهم عرض الحائط نجد أن ملك فرنسا لويس الأول ابن شارلمان قد استولى عليه الخوف من ظهور المذنب الذي ظهر أيام المعتصم، وقلق لذلك أشد القلق، وبلغ به الفزع درجة جعلته يدعو المنجمين ليقولوا شيئاً عن هذا النجم (في رأيه) ولينبئوه

<<  <  ج:
ص:  >  >>