للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[إنما يرثها المؤمنون]

أحلاف الأمل

للأستاذ أديب عباسي

الحياة كالسفينة: قلعها الأمل، ودفتها الفكر، والرابط لأجزائها واللاّم لشعثها هو الأيمان. والعقل يرسم الخطة، ويبين الاتجاه، ويدل على الطريق. والأمل شراع الحياة الذي يدفعها في أوقيانوس هذا العالم المضطرب وفوق لجه المصطخب، والذي يتلقى القوى من أين جاءته وأني واجهته ليحيلها في النهاية قوى

للدفع والانتظام في السير. أما الإيمان فهو هذا الذي يشد أضلاعها ويوثق أجزاءها، فلا يوهنها العاصف الشديد ولا يمزقها، أباد يد. وهو الذي يعدل انحناءها ويقوّم استواءها، فلا توهيها الصدمة ولا تزعزعها الزحمة. وبالقدر الذي تظفر به الحياة من توازن وائتلاف بين هذه القوى الثلاث يكون الخير والنجاح، وبالقدر الذي تتنافر وتضطرب يكون الفشل والخيبة. انظر إلى المتشائمين الصارخين في وجه الحياة الدافعين لها في الصدر، ترهم من أولئك النفر الذين كبرت عقولهم ونضبت آمالهم وتزعزع أيمانهم، فاضوا كالقارب قد تخرق قلعه، وحطمت دفته. يقابلهم المتهورون الذين لا ينزلون للعقل على حكم، ولا للمنطق على قاعدة، فتراهم يسيرون في هذه الحياة على غير توجيه يوجهونه، أو هدى يتوخونه، فلا يلبثون أن يرتطموا بصخورها الناشزة، فتتحطم آمالهم وتبخر الحقيقة أمانيهم كما تبخر الشمس أحلام النائم.

هذه هي صلة الأمل والأيمان بالفكر. وإذافإذا نحن ذكرنا أحدهما بعدئذ فإنما نذكره ونحن نضمر ونقدر الفكر. ذلك أن الأمل دون الفكر يضحى تهوراً ورعونة، والأيمان بلا عقل ملهم يمسي عناداً واشتطاطاً.

وماذا نقول بعد هذا الإجمال في دعامتي الحياة هاتين؟

نقول إن الأمل هو القوة الدافعة الكامنة في صدور الشباب، وهو النور الذي يبدد ظلام النفوس ويزيل حلكها عندما تتوالى النكبات وتتعاقب المصائب. هو ذلك المعبود الذي نصب له الرومان تمثالاً يجثون حواليه ويخشعون. وهو الإله الذي هجر رومة عندما عكفت على المادة تعبدها فسقطت سقوط شمشون في يد الشهوة. وهو الذي وقف في مضيق

<<  <  ج:
ص:  >  >>