ترموبيلي يهزأ بالقوى المادية ويفخر بالتضحية الخالدة. هو ذلك الفيض العلوي الذي كان يخوض صفوف المسلمين مردداً: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، والله مع الصابرين، فكان ملء الصدور في بدر، وكان ملء الصدور في اليرموق، وكان ملء الصدور في القادسية. هو الذي يحيل الشيخ الهرم شاباً إذا حل في صدره، والشاب شيخاً إذا زايله. وان شيخاً كبرت عدته من الأمل لا تنصفه إذ تحشره في زمرة الشيوخ وان بلغ عتياً. وان شاباً هزل أمله وفتر عمله هو والشيخ الفاني سواء. فالفتوة والشباب ليسا في السنين، إنما هما في القوى الروحية السليمة. والمهزومون في معركة الحياة الهاربون من وجهها هم الدليل. هذا شيخ مرفوع الرأس مسنود الظهر، قوي الأمل كبير الثقة بالنفس، يسير بقية الطريق في غير التواء، فيصل آخر مرحلة من مراحل الجهاد لا هو بالخائر العزيمة ولا بالخالي من الزاد. وذلك شاب (بحسب السنين فقط) خاوي الأمل فاتر الهمة، يدب كما تدب السلحفاة. . . أعياه نيل الشمس واصطياد النجوم، فلم يمدد يداً إلى ما هو في متناول اليد، وتملكه اليأس، وبث له من ترقب الخيبة نطاق، فلم يحفل كثيراً بالجني القريب، ففاته كثير من الجواهر واللآلئ التي يمر بها مرّ المجانب
إذاً فمعركة الحياة الصارمة تتطلب منك يا صاح الأمل القوي تسنده العزيمة المسددة، وتفرض عليك الاندفاع والسعي، ينير سبيلهما الاستبشار والثقة. وفي الوقت الذي يكف المرء فيه عن الحركة والدؤوب يدخل في ثبت الأموات الفانين. إن خير ما تشبه به الحياة هو الدوّامة التي ما تزال تدافع فعل الجاذبية وتقاومه بقوة الاندفاع وسرعة الحركة، ولكنها إذ تبطئ وتكف عن الحركة تسقط بعد إذ كانت مستوية على قدم قائمة على ساق.
وتفرض عليك معركة الحياة أيضاً أن يكون لك هدف تسعى إليه، لا هو بالوضيع الذي لا يستثير كل ما في النفس من استعداد ولا يستنفر كل ما فيها من قوة، ولا هو بالبعيد المنبت الذي تتقطع دونه جميع الأسباب وتفشل جميع الجهود.
ثم ليكن هدفك كالأفق العريض يتجدد على السير ويتسع مع الحياة ويغري على البذل. ولا يهمنك بعدها أنجحت أم فشلت. فالفشل ليس جرماً، إنما الجرم هي الآمال المحدودة والأهداف الوضيعة. ولا تغبطنّ من هو أحط منك هدفاً وأسعد حالاً. فقد تكون أنت بحرمانك وسمو هدفك أعظم منه في نجاحه وحطة هدفه الذي إذاوصل إليه لا يلاقي وراءه