للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شخصيات عباسية:]

جحظة المغني الشاعر

٢٢٤ - ٣٢٤هـ

للشيخ محمد رجب البيومي

كان للشعر والغناء في الدولة العباسية سوق رائجة، فما ينظم شاعر قصيدة، أو يبدع مغن صوتاً، حتى تتطلع إليه الأنظار ويتصل ذكره بالرؤساء والأعيان فتخلع عليه الهبات الوافرة وتهدي إليه المنح الجزيلة، وقد يطير ذكره إلى الخليفة، فيقر به من ساحته، ويسمر معه في أطيب أوقاته، حتى يكون نديمه المحظوظ، وصفيه المختار.

لذلك أكب الناشئون على الأدب، يقيدون شوارده، ويقتنصون فرائده، فحفلت بهم المجالس، وأورثوا الثقافة العربية ثروة خلدت العصر العباسي في سجل التاريخ حتى لا يكاد يوجد نظيره في شتى عهود العربية وقد توالت عليها السنون وامتدت بها الأحقاب.

ولقد كان أبو الحسن أحمد بن جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي أحد هؤلاء الذين أوتوا نصيباً وافراً من المعرفة، فقد سلخ من عمره وقتاً مديداً في البحث والدراسة حتى استطاع أن يكون عالماً متعدد الثقافة، ومؤلفاً غزير المادة، وشاعراً خفيف الظل ثم هو بعد ذلك مغن بارع تحن إليه المسامع وتتعلق به القلوب.

انحدر أبو الحسن - وقد اشتهر بجحظه - من سلالة البرامكة فحرص جهده على أن يكون بعيداً عن المزالق السياسية كيلا تحوم حوله الشبهة فيؤخذ بجريرة آبائه وأجداده، لا سيما وقد وجد في عصر أهدرت فيه دماء الساسة، وتناثرت أشلاء القادة من وزراء ورؤساء، بل لقد انتقل الخطر إلى أمراء المؤمنين فكان الخليفة يهوى في ليلة واحدة من القصر إلى القبر، وحسبك أن تعلم أن جحظة قد شهد في مدى عمره عشرة خلفاء فارقوا تيجانهم ما بين قتيل وجريح.

ولم يستطع أبو الحسن أن يستفيد من أدبه كما استفاد غيره لأنه كان ذا نمط خاص في حياته فلم يسر في ركاب أمير، ولم يجامل عظيماً، والرؤساء في كل زمان ومكان لا يجزلون حياءهم الوافر إلا لمن يحبر فيهم المدائح الطويلة، لاهجاً بالثناء عليهم في غدوه

<<  <  ج:
ص:  >  >>