في مثل هذا الأسبوع من مثل هذا الشهر لسنة ثلاث وخمسين قبل الهجرة أعلن الله كلمته من جديد، في استهلال هذا العربي الوليد!!
وكانت قافلة الحياة يومئذ جائرة السبيل حائرة الدليل خائرة العزيمة. والعالم الإنساني يكابد في هيكله المنحل عوامل البلى من وثبة توبق الروح، وجاهلية توثق العقل، ومادية ترهق الجسد. وكانت الولاية عليه في ذلك الحين لأعقاب من الروم شفهم الفسوق والترف، وإخلاف من الفرس هدهم الغلول والطمع، والناس عدا هؤلاء وأولئك أوزاع وهمج. . اللهم إلا شعبا نبيل الفطرة اعتصم بالصحراء من هذا الفساد الشامل، فما عبث بضميره سلطان، ولا عدا على خلقه طاغية. . . نشّأته الطبيعة على سجاياها المرسلة، وراضته على نظمها المحتومة، وصفّاه (الانتخاب الطبيعي) بالغزو المتلاحق والدفاع المتصل، فأودى بضعيفه، وأبقى على قويه، حتى لم يدم على أديم الجزيرة إلا سيف صارم، وفرس جواد، ودارع بطل! ثم تنخل من هذه الصفوة الباقية في القرن السادس أمّة وسطا تحمل في قوة الحيوية، وكمال الرجولة، وصفاء الحس، المثل الأعلى للإنسان الأعلى (سوبرمان).
تلك هي الأمة العربية التي اختارها الله لقيادة شعوبه الحائرة، واختار منها محمدا لتبليغ رسالته الأخيرة. . .
بين إيوان كسرى وبلاط قيصر اهتز مهد العربي اليتيم في أرض مكة! فتصدّع لهزّته الإيوان، وتطامن لهيبته القصر!! وكأنما هتف بالعاهلين العظيمين من جانب الغيب هاتف:(اليوم ينتهي تاريخ ويبتدئ تاريخ! ليس بعد اليوم ملك ولا كاهن ولا سيد! إنّما العبادة لله، والقيادة للرسول، والسيادة للدين، والحكومة للعرب، والدنيا للجميع!!)
وبين عرش قيصر وعرش كسرى انتصب منبر النبي الكريم في سماء (المدينة) فتضاءل لجلاله عرش، وتقوّض لدعائه عرش! ثم انبثق نوره القدسي في مجاهل البدو ومعالم الحضر، كما يبتسم الأمل في قطوب اليأس، وتومض المنارة في ظلام المحيط! هنالك ظهرت الوحدانية على الوثنية، والغيرية على الأنانية، والإنسانية على العصبية، والإسلام على الجاهلية، ثم عرف الإنسان قدر الإنسان، وأدركت النفوس جمال الإحسان، ووجدت قافلة الحياة طريقها القاصد!
كان العالم يقاسي حين ولد محمد بن عبد الله تفكك الخلق، وتحلل الرجولة، وضياع المثل