للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أيها المليك العظيم!]

للأستاذ شكري فيصل

(جرت التقاليد على ألا يدلي جلالة ملك مصر بأحاديث، ولكن

جلالته تفضل فأذن بالإعراب عن وجهة نظره في مشكلة

فلسطين فقال في الجواب عن خير الوسائل لوقف النزاع

المحتدم بين العرب واليهود: إنه لابد من استخدام القوة. . .)

الصحف اليومية ١٢ ٥ ١٩٤٨

أيها المليك الشاب! في كل هذه الفترة التي كانت تتأزم فيها قضية فلسطين كنا، نحن الشباب، ننظر حوالينا هنا وهناك، نرقب اليد التي تخلع القفاز، والإرادة التي تطيح بالحذر، والقوة التي تستطيع أن تدل على نفسها في ساعات الحاجة إليها، فلم نلمح اليد، ولم نجد الإرادة، ولم نحس القوة. . . وإنما حملونا على أن نعيش في خور الأمل، وفي قلق الترقب، وفي حمَّى الانتظار. . . وتطلعنا فحجبوا عن أعيننا الواقع، وتأملنا فخدروا هذا الألم بالحذر الخادع، وتساءلنا: أين موقع العرب اليوم من موقع العرب الأولين؟

وطفرت من أعيننا دموع، وارتسمت على شفاهنا تمتمات فيها غضب وغيظ وبأس، أو ما يشبه اليأس، وطافت بأذهاننا ذكريات من التاريخ فيها إنكار للذات، وفناء في الواجب، لم نجد لها في واقعنا الأليم أشباهاً ولا أشباحاً. . . فطوينا التاريخ القديم كأنما كنا ندفنه، وفقزت من أمامنا صور من التاريخ القريب: صورة من فيصل، وصورة من غازي!

أما الأولى، فهي صورة النبل السري، والإيمان القوي، والإحساس الرفيع. . . صورة فيصل يطرح العداوات ويولي ظهره لها، ويهزأ بالثارات ويضحك منها، وتظهر له مصلحة العرب الكبرى فينسى عرش أبيه الذي كان يريده ملكا واسعاً في بلاد عربية واسعة، فإذا هو منفي صغير في جزيرة ضيقة صغيرة، ويسافر إلى ابن السعود يصافحه ويقبله. . . لا تخفق في صدره ذكرى أبيه القريب، ولكنها تحرك في ضميره صوت جده الأعلى محمد، ولا يرتسم في صفحته عالمه الصغير، وإنما ينفسح من أمامه المدى ليرسم

<<  <  ج:
ص:  >  >>