هذه الحكومة الرشيدة التي جاد بها الدهر وهو الضنين بأمثالها، هذه الحكومة التي ثارت ونهضت لتصرع البغي وتقضي على الفساد، وخطت في ذلك الخطوات الواسعة السريعة، جدير بها أن تسرع الخطى إلى مفسدتين استشرى داؤهما وكاد يقضي على البقية من الخلق والدين، هاتان المفسدتان هما: الخمر والميسر.
(ويسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس)(البقرة ٢١٩).
(إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه)(المائدة ٩٠).
(إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر)(المائدة٩١).
فهذه الآيات القرآنية التي تقرن الخمر بالميسر، وتجمع بينهما في شرورهما وآثامهما، وخضوعهما للشيطان وقى الإفساد، هذه الآيات لا ريب أنها ستجد من أولي الأمر فينا آذانا صاغية، وإصغاء واعيا لأمر الله وأحكام دينه.
وقد بادرت حكومتنا فاتجهت في سبيل سن العقوبات الرادعة لمدخني (الحشيشة) والاتجار بها، وليست الخمر والميسر بأقل في أضرارهما المادية والخلقية والصحية والاجتماعية والسياسية من (الحشيشة). فعلى موائد الشراب والقمار تضيع الأموال، وتفسد الأخلاق، وتعتل الأبدان، وتنحل الروابط الاجتماعية، ويتسلل العدو إلينا فيما بين ذلك غانما رابحا. وقد قرأنا في أثناء ثورة الشعب الأخيرة أن الأموال تتدفق من المصريين إلى خزائن الدول الأجنبية ثمنا للخمور يزيد على خمسة ملايين من الجنيهات كل عام.
حقاً إن الدولة قد حظرت لعب الميسر على موظفيها، ولكن موظفيها ليسوا كل شيء في الدولة، فإن الميسر يأخذ صوراً شتى صغيرة في مقاهي القرية والمدينة، ويبتز أموال الفقراء الكادحين، ويوقع العداوة والبغضاء إيقاعاً يترجم فيما بعد بالقتل وسفك الدماء وارتكاب كثير من جرائم السرقة والسطو والاغتصاب، فأولى بالحكومة أن تعمم تحرمه فتقطع بذلك دابر أجناس شتى من جرائم الأخلاق وجرائم النفوس.
هذه الرغبة الاجتماعية لدعاة الإصلاح في هذا البلد هي التي أوحت إلى أن أكتب هذا البحث الديني التاريخي، الأدبي اللغوي، الذي رأيت حوله ظلاماً أردت تبديده، ورأيت أن