في ميدان الجهاد الثقافي مجهولون لا يشكرهم شاكر، ولا يكاد يذكرهم ذاكر: أولئك هم فرق الأساس الذين يمهدون الأرض للدفاع، ويُعدون الجيش للعمل، ويهيئون الشعب للنهوض. وهم الذين يعيشون على عشرات القروش وينفقون من ومضات أرواحهم ونبضات قلوبهم وذخائر قواهم، مايضمن للقادة يوم النصر أكاليل الغار وألقاب الفخار وأكياس الذهب. فإذا فشلت الخطط وطاشت المعارك ربأ الناس بالقادة عن التهم، ورموا هؤلاء المجهودين المجحودين بنقص الكفاية وسوء الدُّرية.
هؤلاء الجنود المجهولون هم المعلمون الإلزاميون! كتب الله عليهم جهاد الأمية ونشر المعرفة بين الطبقات الفقيرة بالقدر الذي يساعد الإنسان على استكمال حظه من العلم الضروري، فأبلى هؤلاء الجنود الصابرون أحسن البلاء في معركة الأمية خمسة عشر عاماً؛ ثم أسفر هذا العراك الطويل الثقيل عن بقاء هذه الأمية منيعة الحصون شديدة البأس؛ كأنما كانت رحا هذه الحرب تدور على فراغ!.
دهش الكتاب والنواب لهذه النتيجة الموئسة، وراحوا كدأيهم يلتمسون العلل في إداد المعلم الإلزامي وكفايته وخبرته، ولو هداهم النظر الصادق لالتمسوها في فساد الخطط وسوء التوجيه واضطراب النظام وانبهام الغرض.
ما ذنب المعلم إذا أخفق نظام لم يضعه، ومنهاج لم يَشْرَعه، وكتاب لم يؤلفه؟ هل هو إلا جندي كسائر الجنود يكون أداة للنصر أو للهزيمة على حسب ما يصدر عن القيادة من حكمة أو أفن؟.
لقد فشل التعليم الثانوي فشلاً تضرب به الأمثال للعبرة؛ فهل يجوز في منطق العقل أن تخرج من حسابه الخبراء والمراقبين والمفتشين واللجان والتقارير والتجارب؛ ثم نحصر علته في المعلمين وهم من حيث الخبرة والمران بنجوة عن الشك؟.
نحن لا نزعم أن المعلمين منزهون عن صفة النقص، ولا مبرأون من تبعة الفشل، فإنهم ناس كسائر الناس، فيهم الضعيف بفطرته والقاصر في أداته؛ ولكنا نزعم أن نصيبهم من إخفاق التعليم أقل الأنصبة، وأن حظ الإلزاميين من هذا النصيب أضعف الحظوظ. ولو