للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[خان الخليلي]

للأستاذ نجيب محفوظ

بقلم السيدة وداد سكاكيني

من خصائص هوجو في قصصه أنه طويل النفس في إنشائها، مسترسل الوصف لشخوصها، أنه ليفيض في تصوير الشاعر كرنكوار أحد أبطال رواياته فلا تنتهي من وصفه بصفحات إذ يبدأ رسمه إلى أخمص قدميه، فذكرني بهذا الفن المسهب قصة جديدة للأديب الموهوب نجيب محفوظ، سماها (خان الخليلي) وقد عجبت لفن فتى اكتمل قبل الكهولة، إنه ليصف لنا أحمد عاكف بطل قصته، فيصوره من طرة طربوشه إلى كتابة العلية، وكان بقلمه تلاوين الرسامين. على أن القاص لا بد أن يوطد قلمه على مثل هذا الإمعان في التصوير والتحليل، لا سيما إذا كانت روايته تقع في نحو من خمسين فصلا، وكذلك كان هوجو في روايته البؤساء ونوتردام دوباري.

وقد كان من نهضة الفن القصصي في بلاد الغرب أن رأينا أدباء مبرزين في أثارهم التي كتبوها مستوحاة من آفاقنا وأساطيرنا، فأديب البؤساء الذي كتب (المشرقيات) له أنداد من قومه شغفوا بالقصص عن المشرق والشرقيين، فرومان دورجليس حين دار بلاد الشام أوحى إليه فنها العريق أن يكتب روايته المشهورة (قافلة بغير جمال) وقد غفل أدباؤنا عن هذا الفن الخصيب فبقيت أقلامهم مكفوفة عن ذخائرنا حتى يأتيها كاتب غربي فيثير كوامنها ويستخرج لآلئها، ولكن عزاني اليوم في زهادة أدباء العرب بفن بلادهم، أن رأيت مؤلف (خان الخليلي) وهو مصري صميم، تتكشف له مصر في عراقتها وشرقيتها عن مكامن فن أخاذ، فراح يغمس فيه قلمه، ويتطلع من خلاله إلى بلده فيصور أهل حي شعبي من أحياءها الخافقة بالناس، وكأن دروبه عروق تنبض بالإنسان في جسم القاهرة، فوصف القاص حياة موظف من هؤلاء الموظفين الذين لا يهنم هم إلا الغدو على عملهم الراتب، وتزجية الشهر استهدافاً للمرتب والدرجة، وفي تضاعيف القصة صور لنا حياة أسرة مصرية تركت سكنها القديم وجاءت خان الخليلي خشية الغارات الجوية التي أصابت القاهرة في هذه الحرب

كانت حياة بطل القصة وهو الموظف مثل بركة ماء بقيت هادئة إلى أن اضطربت من

<<  <  ج:
ص:  >  >>