تأثير الغارات ثم سكنت بعد تغيير السكن، وما لبثت أن ثارت بها عاصفة من عواصف الحياة التي لا تترك غصناً حتى تهزه ولا ورقة عليه حتى تسقطها، تلك عاصفة الحب، ولقد كان هذا الموظف كهلا خاملا، فاستحيا من هذا الحب، وهاهنا تظهر براعة القصص في تصوير العواطف المكبوتة التي كانت نائمة مخدرة في نفس أحمد عاكف حتى أطلت بترددها وقلقها حين عدا عليه في حبه أخوه رشدي فانتزع منه بمرحه ومغامرته تلك النبتة التي عاهد النفس على تعهدها بالإرواء.
وغدا هذا الأخ الطياش مصدوراً، فهو على مشارف الردى وقد ضاع من صدر عاكف كل تذمر وخشية منه لمزاحمته على حبه، وتضاءل وجده على الفتاة المحبوبة بوجده على المريض الذاوي، فهم يفديه بالروح وبذل العناية حتى قضى نحبه، فجثم الأسى على بيت عاكف بعد أن عصف الحب بالأخوين حيناً من الدهر، حتى احترقا به معاً واستقر الحداد بعبئه على الأبوين، ولم يكن أشقى لهذه الأسرة المنكوب من أن تبارح (خان الخليلي) وتلجأ إلى ضاحية من ضواحي القاهرة.
حببت هذه القصة إلى نفسي أن أزور (خان الخليلي) وأنا في مصر لأملأ العين من حي سيدنا الحسين، فأرى بالنظر ما توهمته بالخيال في قصة الأستاذ نجيب محفوظ الذي وصف مقاهي الحي البلدي ونداوته الشعبية وأسواقه وسكانه العاكفين على خبرهم اليومي، فجاءت قصته ذات روح مصرية خالصة بشخوصها وحوادثها، فاذكرني إحسان محفوظ لفنه الشرقي الممحوض إساءة بعض الأدباء بسطوهم على آثار غربية نحلوها أدبهم وزوروها، فبدت فيها طوابع أقاليمهم زائفة شافة عن تمرد فنها وقلقة، ولا على كاتب (خان الخليلي) أن يكون تعبيره في قصته سهلاً ليناً، فإن شخوصها يتحاورون، ومن التحذلق أن يجري على ألسنتهم أساليب البلاغة الإلزامية.
وبعد فهذا الأثر الطريف للأستاذ نجيب محفوظ ثمرة طيبة في فن القصة المعاصرة ومن قطوف لجنة النشر للجامعيين