عقد مفتشو اللغة العربية مؤتمراً بكلية دار العلوم في الأسبوع الماضي برياسة عميدهم الأستاذ مهدي علام، ومن الموضوعات التي نظروا فيها موضوع دراسة قواعد اللغة العربية في المدارس الابتدائية والثانوية؛ وقد انتهى المؤتمر في هذا الموضوع إلى أن تدرس اللغة العربية عن طريق اللغة نفسها نصوصها وأساليبها وتستخلص القواعد من هذه الأساليب من غير إسراف في الاصطلاحات النحوية المطولة. وقد عرض الفكرة على المؤتمر، الأستاذ مهدي علام، فلقي معارضة شديدة في أول الأمر من لدن أنصار النحو والقواعد، ولكنه ما زال يبين وجهة نظره ويدلل عليها حتى وافقه الجميع إلا واحداً، وكان عند بدء عرضها لا يؤيده فيها غير واحد. .
وقبل أن أعقب على قرار المؤتمر أبسط الموضوع بعض البسط فأقول: إن الطريقة الطبيعية في تعلم اللغة هي سماع مفرداتها وتراكيبها والتمرن على محاكاتها بالتعبير على مثالها، حتى تصبح القدرة على هذا التعبير ملكة يصدر عنها القلم واللسان، أما القواعد فهي ضوابط يقصد منها التحرر من الخطأ في اللغة لا تعلم اللغة نفسها.
وقد وضعت القواعد أول ما وضعت لذلك الغرض ولكن المشتغلين بها تدرجوا فيها إلى أن صارت دراسة مقصودة لذاتها في العصور المتأخرة، وهي العصور التي انحطت فيها اللغة وركت أساليبها، ومن المشاهد المعروف أن النحوين على قدر ما برعوا في صناعة النحو لحقهم العجز والضعف في ملكة التعبير والبيان، على خلاف البلغاء من الكتاب والشعراء الذين لم يحصلوا من تلك الصناعة إلا القدر الضروري لضبط ما يقولون ويكتبون.
وقد رأينا في عهد التعلم معلمين يتوكؤن على الإعراب حتى في غير دروس القواعد، فإذا عرض أحدهم لبيت من الشعر مثلا شغل بأوجه الإعراب في ألفاظه عن وجه الجمال السافر فيه، وكان لنا أستاذ ألف كتاباً سماه (ترويق الجو بتحقيق لو) ثم كان من فضل الله أن ضاع منه أصل هذا الكتاب قبل أن يدفعه إلى المطبعة فراق الجو بفقده ولم يكن من المنتظر أن يروق بتحقيق لو. . وكم رأينا مدرسين يحولون دروس المطالعة والأب إلى