للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الشعر]

في صدر الإسلام وعهد بني أمية

بقلم أحمد حسن الزيات

ظهر الإسلام وقد تحكم في حياة العرب جاهلية قاسية وعقلية جافية وعصبية مفرقة، فكان الشعر مظهر هذه الصفات وباعثها؛ فلما أعلن الرسول الحرب على هذه الأخلاق تمهيداً لألفة القلوب ووحدة العرب، كان من الطبيعي أن ينغض رأسه إليه، وألا يشجع الناس عليه، ففي القرآن: (والشعراء يتَّبعهم الغاوُون. وما علمناه الشعر وما ينبغي له)، وفي الحديث: (لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خير له من أن يمتلئ فمه شعراً). فازور جانب المسلمين عن قرض الشعر وروايته، على علمهم بأن الدين لم يكرهه على إطلاقه، وإنما كره منه ذلك النوع الذي يمزق الشمل ويثير دفائن القلوب. ثم شغل العرب جميعاً بالدعوة العظمى، فمن مؤيد ومن معارض، واشتدت الخصومة بين الرسول وبين قريش، فجردوا عليه الأسنة والألسنة، ولكن شعراء العرب وقفوا موقف الحياد والتربص ينتظرون نتيجة المعركة بين التوحيد والوثنية، وبين الديمقراطية والأرستقراطية، وبين محمد وقريش. فلم يغامر في الخصومة إلا الشعراء القرشيون وقد كانوا قلالاً قبل الإسلام لشواغل الحضارة والتجارة، فصاروا كثاراً بعده لدواعي النزاع والمعارضة. بدأ هذه الحملة منهم عبد الله بن الزبعري وعمرو بن العاص وأبو سفيان، فآذوا الرسول وأتباعه بقوارص الهجاء، فهاج ذلك من شاعرية المسلمين وودوا لو يأذن لهم الرسول بمجالستهم، فما هو إلا أن قال لهم: (ماذا يمنع الذين نصروا الله ورسوله بأسلحتهم أن ينصروه بألسنتهم؟) حتى صمد للقرشيين نفر من الصحابة، فيهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة، وشبهوها حرباً كلامية جاهلية لم يهاجم المهاجمون فيها بفضائل الوثنية، ولم يدافع المدافعون بفضائل الإسلام، حتى نقول إن الشعر قد خطأ في مذاهب الفن خطوة جديدة، بل كانوا يتهاجون على النمط المعروف من الفخر بالأنساب والتبجح بالسؤدد؛ يدل على ذلك قول الرسول لحسان: (أذهب إلى أبي بكر فهو أعلم بمثالب القوم)، وقوله: (كيف تهجو قريشاً وأنا منها؟) فقال: أسلك كما أسل الشعرة من العجين

فليس من شك في أن الشعر ظل على عهد الرسول جاهلياً. وخضعت قريش وسائر العرب

<<  <  ج:
ص:  >  >>