للدين الجديد بعد لأي، فخرست الألسنة اللاذعة، وفر الشعر الجاهلي ثانية إلى البادية، وانصرف المسلمون إلى حفظ القرآن ورواية الحديث وجهاد الشرك، فخفت صوت الشعر لقلة الدواعي إليه، فما كان يظهر إلا الحين بعد الحين في صادق المدح والرثاء؛ وتساهل الرسول في سماعه حتى أثاب عليه، وحتى قال فيه:(إن من الشعر لحكمة)
تلك كانت حالة الشعر في عهد النبوة، وأما حاله بعدها فأقل شأناً وأحط مكانة لذهاب المعارضة ولشدة الخلفاء في تأديب الشعراء، وانصراف هم العرب إلى الفتوح؛ ولكن الدين قد بدأ يفعل في النفوس، ومظاهر الحضارة قد أخذت تؤثر في الأذهان، فظهر أثر ذلك ضئيلاً في شعر المخضرمين ككعب بن زهير والحطيئة ومعن بن أوس والنابغة الجعدي، ولكنه أثر لا يتعدى بعض الألفاظ الإسلامية كالمعروف والمنكر والصلاة والزكاة والجنة والنار والمهاجرين والأنصار. ولذلك نرى من المبالغة جعل المخضرمين طبقة ممتازة، فان شعرهم استمرار للمذهب الجاهلي لم يتأثر بالإسلام إلا تأثراً عرضياً كضعف الأسلوب في شعر حسان، أو قلة الإنتاج في قريحة لبيد، أو كثرته في الحطيئة والنابغة الجعدي مثلاً؛ والأشبه بالحق أن نقرر ما أشرنا إليه من قبل، وهو أن الشعر العربي ظل في الجاهلية والإسلام واحداً في مظهره وجوهرة ونوعه حتى أواخر عهد بني أمية؛ والتأثير الذي ناله من الموالي والسياسة والحضارة والدين لم يعطفه إلى طرق جديدة، وإنما وسع في معانيه ومناحيه، فقوى بعض أغراضه كالهجاء، وميز بعضاً أخر كالغزل وهل يمكن التجديد في الشعر وجل الشعراء إنما يأتون من البادية، والخلفاء يتعصبون للبادية، والرواة والأدباء واللغويون يطلبون اللغة والشعر في البادية، والعرب بطبيعتهم يميلون إلى التقليد ويجلون القديم المأثور من سؤدد وخلق وأدب؟ فليس من سبيلنا أن نتكلف البحث العقيم في القرن الأول عن مذهب شعري جديد يصبح أن يكون أساساً لأدب عربي جديد، فأن مذهب عمر بن أبي ربيعة في الغزل لا يختلف عن مذهب امرئ القيس إلا في المعاني الحضرية؛ ومذهب جرير والفرزدق في الهجاء لا يختلف عن مذهب الحطيئة والشماخ إلا في المعاني الأساسية، فلنقصر الجهد على تحليل نهضة الشعر في العراق والحجاز على عهد بين أمية وبيان خطرها وأثرها في الإنتاج العقلي للعرب
كانت القحطانية والعدنانية، والعلوية والبكرية، والهاشمية والأموية، والعروبة والشعوبية،