البيئة الحضرمية بيئة عربية قحة، وهذه أول ميزة وأول موجه للشعر الذي يقال فيها وينشده شعراؤها في حيزها، والميزة الثانية قد نتجت عن الميزة الأولى، فنحن نجد أن التخاطب في حضرموت بلهجة تقرب من اللهجة المصرية. ونجد في التخاطب الحضرمي أنه يستعمل ألفاظاً عربية أصيلة كثيرة مما لا نحس له وجوداً في تخاطب البلدان العربية الأخرى، ومما لا يذكر إلا في المعاجم عادة، ويرجع ذلك إلى امتداد الصبغة العربية القحة منذ فجر التاريخ الحضرمي إلى اليوم. ولم يستطع التطور الحديث أن يقتحم بقوته فيقضي القضاء كله على النزعة العربية والصبغة العربية الأصيلة في هذا البلد الحضرمي، على هذا فليس من عجب إذ ما ألفينا الشعر الحضرمي أقرب الأشعار إلى الأشعار القديمة وخاصة الجاهلية، وتلك ظاهرة لا يجد المرء نصبا في استشفافها والوقوف عليها حين اطلاعه على أشعار الحضارمة ولا يغيب عنا أن شاعرنا الكبير امرأ القيس نشأ في زمنه في هذا القطر وقال شعره فيه، فبيئته حضرموت إذا بيئة الشعر منذ أقدم عصوره وبيئة التفنن منذ فجر تاريخه كما إنها بيئة العربية ولهجاتها ومصادرها.
ولا نستطيع أن نقول إن الشعر الحضرمي الحديث قد بلغ شأواً بعيداً وذروة رفيعة من المجد الشعري الحديث على الرغم مما أبداه في عالم اللفظ من جمال وقوة، وما وصل إليه في عالم الوضوح من الرقي والرفعة؛ وذلك أرجعه إلى علل وأسباب أهمها أنه لا يتأثر إلا قليلا بالثقافة الحديثة، وأنه يغرق في اللفظ وضخامته وفخامته ثم يذر للنواحي الأخرى بعض الاهتمام، وهذا البعض يطوح به الأسلوب حينا ويتغاضى عنه الشاعر نفسه أحياناً. ثم إن هذا الشعر الحضرمي لا يمكن أن يجد فيه العربي خارج حضرموت لذة وجمالا، وإنما يجد هذه الأشياء الحضرمي في الذي يعيش البيئة الحضرمية فوق أرضها وتحت سمائها، وهذه البيئة لا يستسيغها بالطبع ذلك العربي خارج حضرموت، وبالتالي فتأثيرها على الشعر جعل هذا الشعر غير مستساغ في الجو العربي الخارجي. وبالرغم من أن هنالك شعراء تخلصوا من هذا الحيز ومن تلك السيطرة فأمكن لنا ولغيرنا أن نجد في