المصابين بفقر الدم الذين ضعفت شهواتهم لضعف أجسامهم. وقد يرى هذا الرأي أيضاً من قويت صحته وكمل جسمه واشتدت شهواته ولكن كانت إرادته أشد وسلطانه على نفسه أقوى وأقوى ما يكون ذلك إذا أتى من ناحية الدين. . . والزاهد في الحقيقة ليس يرفض اللذة لأنها لذة هو يرفضها للذة أخرى أكبر منها في نظرة. هذا ما يقوله (خليفة بن خلدون) ويؤيده ما رأيت في شرح النهج لابن أبي الحديد المعتزلي من قول الخواص (من ترك شهوة فلم يجد عوضها في قلبه فهو كاذب في تركها). . .
ومن الزهاد من يرفض ان ينعم بالمأكل الشهي إذ نصبح النفس يرى ان الاستمرار في طلب اللذائذ بسبب آلاما إذ تصبح النفس شرهة، أطماعها كثيرة، وآمالها واسعة، وكلما نالت منها الكثير طمعت فيما هو أكثر منه، ثم هي تتألم الآلام الشديدة لما حرمت وتتجرع مع ما تنال غصصاً من الآلام. أضف إلى ذلك أن كثره التمتع باللذة يفقدها قيمتها ويذهب برونقها وجمالها. ويرى هؤلاء أن شعور الإنسان بأنه قادر على حرمان نفسه برفعها فوق حوادث الزمان فلا تصبح لها القدرة على إخضاعه، وهذا الشعور يحرره من ربقة الخوف وهو شعور فيه من اللذة ما ليس في الملذات الجسمية.