وفيها تلويح إلى ما حدثنا به التاريخ من انقراض أمم هلكت لإغراقها في الترف كما وردت الآثار عن مصرع الإمبراطورية الرومانية واضمحلالها بداء الترب.
ومالك تذهب بعيداً حسبك أن ترجع إلى تاريخنا العربي فإن الأمة الإسلامية عندما حادت عن تعاليم الإسلام وانغمرت في الترف وفساد الحياة الحضرية ذهبت منها صفات الرجولة ومعالم البطولة وماعت أخلاق بنيها فقامت عليها الأمم التي عنت من قبل لسطوتها فاستعبدتها. لقد انغمر آباؤنا في نعيم البلاد التي افتتحوها ونسوا وصية النبي (ص) بلبس جلد النمر لحوادث الدهر وكوارث الزمن وانغمروا في الترف فحق عليهم ما حذرهم منه المنقذ الأعظم (ص) فانقرضوا وتمزقت دولهم وذهبت ريحهم وعادوا عبيداً بعد أن سادوا بالإسلام شرق الأرض وغربها. ولا ريب أن في الصوم مظهر من مظاهر الأخشيشان وفيه فتوة تطبع النفوس على غرار الرجولة والبطولة وتشربها القوة والصبر والجلد. ولنعد إلى حديث مذهب أولئك الفلاسفة الذين أغرقوا في تعشق جشابة العيش وخشونة الحياة وقد قال أرسطو المعلم الأول: الفضيلة وسط بين رزيلتين: الإفراط والتفريط وفي الحديث الشريف خير الأمور أوسطها وفي الكتاب العزيز خطاباً للمسلمين (جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس) قال بعض أعلام الإسلام - كما في مجمع البحرين للطريحي - كل خصلة محمودة لها طرفان مذمومان كالسخاء فإنه وسط بين البخل والتبذير. . . وبعد فقد أفرط البعض وبالغ جماعة من الزهاد فلم يكتف بعضهم بقمع الشهوات بل تعداها إلى تعذيب النفس وبالقيام بالشمس في أشد ساعات الحر والتمرنح على الرخام في الشتاء وغير ذلك من أساليب عنيفة نسمع بها كثيراً عن عبادات الهنود الشاذة المبنية على هذه الفلسفة الخاطئة الضالة ويعتقد بعض هؤلاء انهم بتعذيب النفس الصارم القاسي ترتفع نفوسهم وتعلو إلى درجات عالية في العرفان والقدسية وتتفتح لها أبواب الإطلاع والارتقاء عن مستوى البشر، إلى غير ذلك من الاعتقادات الفاسدة والمذاهب الباطلة. ويسمي هؤلاء أسلوبهم هذا في أدراك المعرفة بطريقة الإشراق ويسمون أنفسهم الإشرافيين كما ذكره لنا أستاذنا في الفلسفة الإسلامية في النجف الإشراف (البنجردي) عند دراستنا عليه شرح منظومة السبزواري في الفلسفة. ويرى الدكتور أحمد أمين في كتاب (الأخلاق) أن هذا مذهب أكثر المعتنقين له من الناقمين على الحياة المتشائمين من كل شيء في الوجود