والدمار. وهم يرون أن الاسترسال في اللذات والشهوات جريمة لا تغتفر؛ فعلى المرء أن يقمعها ويلجم النفس بالصوم عنها إن هؤلاء الصوفية يجدون الفضيلة في حرمان النفس مما تشتهيه وصدم رغباتها وأهوائها.
روى ابن أبي الحديد أن إبراهيم الخواص قال: كنت في جبل فرأيت رمانا فاشتهيته فدنوت منه فأخذت واحدة فشققتها فوجدتها حامضة فمضيت وتركت الرمان، فرأيت رجلا مطروحاً قد اجتمع عليه الزنابير فسلمت عليه فرد علي باسمي: فقلت كيف عرفتني؟: قال من عرف الله لم يخف عليه شيء: فقلت أرى لك حالاً مع الله فلو سألته أن يحميك ويقيك من أذى هذه الزنابير. فقال وأرى لك حالا مع الله فلو سألته أن يقيك ويحميك الرمان فإن لدغ الرمان يجد الإنسان ألمه في الآخرة؛ ولدغ الزنابير يجد الإنسان ألمه في الدنيا: فتركته ومضيت على وجهي) ونحن نرى أن الفكرة التي تحكيها هذه القصة بعيدة عن روح الإسلام وهي أشبه بعبادة البراهمة من الهنود وتعذيبهم نفوسهم منها بروح التعاليم الإسلامية. ولا ريب أن الإسلام تأثر كثيراً بعبادات الأمم التي دخلته - وعلى كل حال فإن الناس تجاه لذات الحياة أصناف، فنمهم من دعا إلى الزهد، وقمع الشهوات: قال الماوردي في (أدب الدنيا والدين)(إن شهوات النفس غير متناهية، فإذا أعطاها المراد من شهوات وقتها تعدتها إلى شهوات استحدثتها فيصير الإنسان أسير شهوات لا تنقضي وعبد هوى لا ينتهي ومن كان بهذا الحال لا يرجى له صلاح) وأن طائفة من المتقشفين كما يقص علينا الدكتور أحمد أمين في (الأخلاق) نرى أن أرقى أنواع الحياة الأخلاقية ما حوربت فيها الشهوات، وهؤلاء لا يتزوجون مثلا ولا يأكلون اللحم ويعتزلون الناس جهدهم ولا يمكنون النفس من مأكل أنيق أو مقعد وثير أو ملبس جميل.
وقد شنع (سنيكا) وهو من الفلاسفة أتباع الرواقيين وكان في صدر الدولة الرومانية (٦ق م - ٦٥ب م) لقد شنع هذا الفيلسوف على من يشرب الماء مثلجا في أيام الحر: وقال قد انتزع الترف من القلوب ما كان بها من موارد الشفقة وأسباب العطف حتى صارت أشد برداً وقسوة من الثلج والجليد، فكأن هذا الفيلسوف يوصي بتعود جشوبة العيش وكأن يرمق في حديثه كلمة النبي (ص) المأثورة (اخشوا شنوا فإن الترف يزيل النعم) ولكنه أفرط وشط عن الطريق السوي. أما كلمة النبي (ص) فقد جاءت جامعة مانعة فيها عظة وتحذير