للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المذاق، تساق إليه النفوس المريضة سوقاً؛ وكأن الإسلام قد خص شهر رمضان بالصوم لترويض النفس والتغلب على رغباتها الأمار بالسوء فهو بمثابة تدريب عسكري يشترك فيه القيام به أفواج المسلمين في فترة معينة من الزمن أو تمارين رياضية لتقوية النفي وتقويم الروح وتهذيب الأخلاق.

وللصوم فائدته الكبرى في علاج ضعف الإرادة في أولئك الذين لا يستطيعون أن يقاوموا أهوائهم وشهواتهم فهم مستسلمون لها راضخون لأحكامها تجد الفرد من أولئك يدفعه استرساله في سيره حلف شهواته السادرة في بيداء الضلال - فركب أسوأ الكبائر فاندفع إلى شرب الخمر وانجر إلى المقامرة بعد أن زلت بقدمه المغريات لأول وهلة فأصبح كالذي غاصت قدماه في حمأة من القار فكبلته وعاقته عن السير ولم يستطع أن يتخلص من شرها. وكثيراً ما كان على علم بسوء مغبة ما هو فيه ولكنه لا يستطيع أن يقاوم لضعف في إرادته ووهن في عزيمته؛ ولربما رأى الخير في شيء ورأى وجوب عمله، ولكن خانته إرادته فاستسلم وقد كبله الكسل وقعد به الضعف وسيطر عليه الخمول فحاول الإسلام وهو دين الإصلاح والعمران - أن يعالج ضعف الإرادة بالمرانة كما يتقوى الجسم بالرياضة البدنية والعقل بالبحث العميق الدقيق، فبإلزام النفس المسلمة بالصوم لذى يتطلب مشقة وجهداً تتقوى الإرادة وتتعود أن تتغلب على المصاعب والعقبات وتشعر النفس بالارتياح في مغالبة الصعاب وخضد شوكة الرغبات الجامحة والتغلب عليها كما يشعر ذو الجسم القوي بالارتياح عند قيامه بتمرين شاق من الألعاب الرياضية ونجاحه فيه. . . وكل مجهود يبذل في مقاومة هوى أو قمع شهوة ثم يؤول إلى التغلب عليها يكسب الإرادة قوة. ولا ريب أن الصوم من أجلى مظاهر هذا العراك مع النفس الأمارة بالسوء فإذا استطاع المرء أن يقودها إلى النهاية شعر بتغلبه على أهوائها وقدرته على الرضوخ والمثابرة على الأعمال الشاقة حتى نهايتها.

وهناك ناحية أخرى في الصوم يَراها طائفة من الفلاسفة والصوفية الذين يجدون لذة في إرهاق النفس وتعذيبها وحرمانها ويرون مع يوسف بن أسباط أنه (لا يمحو الشهوات من القلب إلا خوف مزعج أو شوق مغلق) فهم يريدون أن يخيفوا القلب بعذاب جهنم اللواحة بالشرر فيدرءوا مرضه بإجباره على الصوم ويقللوا من الشهوات العارمة التي فيها البلاء

<<  <  ج:
ص:  >  >>