وقال ابن قتيبة الدينوري في (عيون الأخبار) قدم إعرابي ابن عم له في الحضر فأدركه شهر رمضان فقيل له يا أبا عمرو لقد أتاك شهر رمضان قال وما شهر رمضان قالوا الإمساك عن الطعام قال أبالليل أم بالنهار قالوا لا بل بالنهار قال أفيرضون بدلا من الشهر قالوا لا قال فإن لم أصم فعلوا ماذا؟ قالوا تضرب وتحبس فصام أياماً فلم يصبر فارتحل عنهم وجعل يقول:
يقول بنو عمي وقد زرت مصرهم ... تهيأ أبا عمرو لشهر صيام
فقلت لهم هاتوا جرابي ومزودي ... سلام عليكم فاذهبوا بسلام
فبادرت أرضا ليس فيها مسيطر ... على ولا مناع أكل طعام
وقول ابن قتيبة الدينوري في هذه الحكاية (إنه أن لم يصم ضرب وحبس) ينافي ما نقله الشيخ نعمان الألوسي في (غالية والمواعظ) في أنه ذكر في (البزازية) أن من أكل في شهر رمضان متعمداً يؤمر بقتله، لأن صنيعه الفاحش دليل الاستحلال وأن الصوم من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة ولذلك يكفر جاحد. . . وقيل لأعرابي أدركك رمضان فقال لأقطعنه بالإفطار وأدرك أعرابياً شهر رمضان فلم يصم فعذلته امرأته في الصوم فزجرها وانشأ يقول أتأمرني بالصوم لأدر درها وفي القبر صوم بالميم طويل
ولا ريب أن لهؤلاء الأعراب أشباها ونظراء في المجتمع الإسلامي ممن ضعفت إرادته وافرط في حبه التهام شهي الأطعمة. وإن رمضان من انفع الأدوية لهؤلاء الضعاف النفوس وهم أحوج المسلمين إلى صرامة تأديبه حتى يقوم معوجهم غازياً ضعفهم النفسي بتهاويل عقوباته الأخروية في جهنم الطافحة بالويل والثبور الكثيرة الأفاعي الجبارة والعقارب المرعبة وفيها القيود الملتهبة والمقامع من النار، هذا مضافاً إلى غضب جبار السماوات كل هذه العقوبات المخيفة واقفة بالمرصاد لمن يفطر شهر رمضان متعمداً الفسق والفجور مضافاً ذلك إن عقوبة السلطة الدينية فيسوق الإسلام الخير لهذه النفوس الضعيفة ويلجمها عن الطعام فترة من الزمن فيصلح من أبدانها بالعنف والجبر ويلزمها الاقتصاد والتقليل من إسرافها في الأكل المتعب لجهازها الهضمي، فكأن رمضان علاج كريه الطعم، ودواء مر