للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[على الشاطئ. . .!]

الشاطئ شاطئ استانلي! واليوم يوم الأحد! والطرقات الجميلة الصاعدة إلى هذا الخليج البهيج تصب فيه أنماطاً من الناس في أنماط من اللباس، وكلهم في سن أهل الجنة! وكنت في هذا التيار الحار المتدفق كأنني السمكة الغريبة تفقد الاختيار وتخشى كل شيء! هبطت مع الهابطين إلى هذا الشاطئ على سلم من سلالمه ثم أرسلت فيه عيني فإذا هو مستدير على صدر الماء استدارة الهلال البازغ على صدر السماء، وإذا النجوم الزواهر من الأنس تختلج في قلب هذا الهلال اختلاج العواطف الرقيقة تتماس في رفق ثم تتفرج عليه في سهولة!! أخذت أخطو وئيدا بين العذارى المتجردات على استحياء وارتباك! فلما لم أجد فيهن حتى من تتقي النظر باليد كما فعلت (متجردة النابغة) حين تسقط نصفيها ولم ترد إسقاطه، أرسلت نفسي على طبيعتها في هذا الحي المباح وذكرت الأستاذ (الثعالبي) وهو يقول لي بالأمس في لهجة جازعة: (اذهب بربك إلى (استانلي) ثم صف لي ما تراه). هاتان عيناي يا صديقي مفتوحتين، وهاتان أذناي مرهفتين! فماذا أرى وماذا أسمع؟؟ أكشاك أنيقة الصنع والوضع تدرجت طبقاتها الثلاث على حضن الشاطئ! ومظلات شتى الألوان قد ركزت هنا وهناك في منحدر الساحل وجمع حاشد عار كسوق الرقيق في ألف ليلة وليلة قد بعثر أمام الأكشاك وتحت المظلات وفوق الرمال وبين المياه،. وصراع لذيذ عنيف بين أفواج البر وأمواج البحر تتخلله صيحات وضحكات كرنين الفضة المصفاة وأحاديث كهمس الأوتار تطير من بين الشفاه البواسم؛ كما تطير أنفاس الصبي الحالم، ولكنها لا تصعد إلى حيث يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح! وبيئة أجنبية ناسها غير ناسنا وإحساسها غير إحساسنا ولغتها لغة فرنسا لا لغة مصر، وسمرتها سمرة الشمس لا سمرة الجنس!! فعلام إذن هذا الجزع الباكي، والقوم إنما يجرون على أعراقهم ويعملون على مقتضى أخلاقهم وبين فتياتنا وفتياتهم من العرف الإسلامي حجاب، ومن الحياء الطبيعي وازع؟! كنت ألقي على نفسي هذا السؤال حين جرجر البحر إحدى موجاته الضخام إلى أعلى الساحل، فجريت إلى فوق أتقي هذا المدَّ المفاجئ فإذا بي واقف إزاء ظُلة جميلة منعزلة، قد انبطحت تحتها فتاة ناهد لم تقع العين منذ الصباح على اكمل منها صورة! وكانذعر السائرين من هجمة البحر قد لفتها لتنظر فلما وقع بصرها عليّ نهضت نهضة الظبي الفزِع تحيي بالعربية أستاذها القديم!

<<  <  ج:
ص:  >  >>