للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[المصطلحات الطبية ونهضة العربية بصوغها في]

[القرن الحاضر]

للأستاذ الدكتور أحمد عمار بك

عضو مجمع فؤاد الأول للغة العربية

اللغات كائنة حية نامية متجددة - ما تجددت عاشت، فإن جمدت ماتت. ولقد تعتورها من آفات الإفراط والتفريط أدواء لا منجاة لها منها إلا أن تكون بين ذلك قواما، وتلزم بينهما قصد السبيل.

وإن لكل لغة أوضاعا مأثورة، ومطالب يقتضيها منها العصر - وعلى قدر توفيقها في المزاوجة بين الحفاظ على تراثها، ومسايرة زمانها يكون حظها من قوة الحياة. فإن هي اشتطت في المحافظة إلى حد الجمود، أو نبذت قديمها تهافتا على الجديد، دب إليها دبيب الوهن، وتناوشتها عوامل الفناء.

وللغة العربية ميزة فذة على سائر اللغات - إذ تنزلت بها آيات الهدى والفرقان، وإذ شرفها الله تعالى بمحكم قوله: (إنا أنزلناه قرآنا عربيا) وبصادق وعده: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)

ولغة هذا شأن تراثها - بل شأوه من التقديس - لا عجب إذا هي انقادت بديهتها، فغلت في المحافظة حذر التجديد. . ولكنها إن أعملت رويتها، أدركت أنها إن تغل في الحذر - فمن مأمنه قد يؤتى الحذر، وأنها إن تجمد على القديم، تفد على الأيام لغة قصاراها الدين، بعد إذ كانت في عنفوانها لغة الدنيا والدين، وتتنكر بذلك لتراثها ذاته، بل لسنة الحياة لا تبديل لها، وهي أن ما ينفع الناس يمكث في الأرض. فتلك سنة لا تفد عنها اللغات، فهي إنما تمكث في الأرض بما توفره من منافع للناس في شتى ضروب تواصلهم في أمور معاشهم. وإنا لتعاصرنا لغات موفورة الحياة، لا تكف عن التجدد ليل نهار، لتلاحق فيوض القرائح وأفانين الابتكار، فلا يلحقها من هذا التجدد ضير، بل لا يزيدها التجدد إلا قوة ونماء.

ولقد وسعت لغتنا في ريعانها من مطالب الحضارة أعلاها مرتقى، وأصعبها شعابا، ومن بينها الطب، إذ بلغ شأوها فيه أن تلقاه عليها الغرب، وتدارسه في كتبها حقبا طوالا. وما

<<  <  ج:
ص:  >  >>