لم يكن ثبات القلعة بدمشق وعودة الجند ليزيلا القلق من النفوس، فقد أقسم عاهل التتار هذه المرة أن يملك الشام ويفتح مصر عنوة، وملأ الدنيا بإشاعته والناس أشد ما يكونون ذعراً؛ كل هذا وابن تيميه لا يبالي، يقعد بمجلسه كالعادة في الجامع يحرض الناس كل يوم على القتال، ويسوق الآيات والأحاديث الواردة في هذا المعنى، ويحرم الفرار ويرغب الناس في إنفاق الأموال، وأن ما ينفق في الهجرة إذا أنفق في سبيل الله كان خيراً
اضطرت السلطات إزاء هذه الهجرة نحو مصر والكرك والشوبك أن تمنع الخروج بغير ترخيص خاص، وكانت الأنباء قد وصلت بوصول التتار إلى الشمال مرة أخرى، وتراجع جند الممالك الحلبية، ثم الأمطار فأعاقت السير إلى الجنوب وإلى الشمال
- ٤ -
كان موقفاً رائعا فذاً في التاريخ أقرأه ونفسي تضطرب حينما خرج الشيخ في صباح السبت من مستهل جمادى الأولى سنة ٧٠٠ هجرية وقابل نائب الشام بالمرج فواجه الجنود وثبتهم وقوّى جأشهم وطيب قلوبهم ووعدهم بالنصر والظفر على الأعداء وتلا قوله تعالى:(ومن عاقب بمثل ما عوقب به، ثم بُغى عليه، لينصرنه الله إن الله غفور رحيم)
وبات ليلته وسط العسكر وهم يحيون هذه الروح التي وضعوا آمالهم فيها
أتدري ماذا يطلب منه أمير الشام ونائب السلطنة فيها؟
يطلب إليه أن يركب على البريد إلى مصر ليستحث السلطان على المجيء إليهم. ويسوق