الشيخ على خيل البريد إلى القاهرة، وهو أينما يحل يستحث الناس إلى المبادرة
أقام الشيخ في قلعة مصر ثمانية أيام، وقد اجتمع بالسلطان والوزير وأعيان الدولة فأجابوه إلى الخروج، وكان فيما قاله لهم:(إن كنتم أعرضتم عن الشام وحمايته، أقمنا له سلطاناً يحوطه ويحميه - لو أنكم لستم حكام الشام ولا ملوكه واستنصركم أهله وجب عليكم نصره - فكيف وأنتم حكامه وسلاطينه وأنتم مسئولون عنه؟)
ثم عاد كما أتى على البريد من مصر، وقد أدى أمانته ونفخ في النفوس روحاً للكفاح جديدة
- ٥ -
استمر المد والجزر بين الفرقين والرسل تتوالى إلى أن دخلت سنة ٧٠٢ هجرية؛ وقد قدم جيش مصر وعلى رأسه الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير، وزحف التتار من جهتين من الشمال فوصلوا إلى البقاع واحتلوا بعلبك، ومن الشرق وصلت طلائعهم القريتين. كل هذا والتتار لا يعلمون بقدوم السلطان من مصر.
ولما وصل دمشق قرر أن يكون المصاف في جنوب دمشق بقرية شقحب، وأتم التعبئة والحشود ومشى السلطان والخليفة بجانبه ومعهما القراء يتلون القرآن، ويحثون على الجهاد، ويشقون إلى الجنة.
في هذا الموقف العصيب يقوم الطابور الخامس بدعايته فيقول: كيف تحاربون قوماً أسلموا وهم إخوان لكم؟ وهنا برز الشيخ بقوته ومضاء فكره فألهمه المولى هذه العبارة:
(هؤلاء من جنس الخوارج الذين خرجوا على علي وعلى معاوية ورأوا أنهم أحقبالأمر منهما. وهؤلاء يزعمون أنهم أحق بإقامة الحق من المسلمين ويعيبون على الناس ما هم فيه من المعاصي والظلم، ولكنهم متلبسون بما هو أعظم منه بأضعاف مضاعفة، والله لو رأيتموني من ذلك الجانب وعلى رأسي مصحف فاقتلوني) فقويت النفوس وانقطعت دعاية الضلال.
فلما تم الترتيب أخذت كراديس التتار تزحف كقطع الليل والتحم القتال على طول الجبهة قتالاً هائلاً رائعاً بيعت فيه النفوس بغير حساب. كل هذا والجاشنكير يسيطر على المعركة بجند مصر والشام. وهنا مال قطلوشاه القائد التتري إلى جبل قريب ونظر إلى السهل والجبال المحيطة فإذا المسيرة السلطانية ثابتة لا تتزعزع، والأعلام خافقة. وجئ إليه