كتب كتاب في الرسالة عن الرسول صلى الله عليه وهل كان يعلم الغيب أم أن الغيب شيء قد اختص الله نفسه بعلمه. فكتبت كلمة صغيرة لتنشر في البريد الأدبي، ثم رأيت أن الأمر أكبر من ذلك وأنه لا يكفي فيها تحقيق هذه الجزئية؛ بل لا بد من تصحيح عقيدة كثير من المسلمين بالنبي صلى الله عليه وسلم
إن القرآن بين بياناً صريحاً لا لبس فيه ولا غموض، ولا مجال لتأويل ولا تبديل، بأنه صلى الله عليه وسلم بشر يوحي إليه، فهو في ولادته وفي منشئه وفي صحته وفي سقمه، وفي حياته وفي موته، بشر كسائر البشر، وإن كان الله دق اختصه باسني الصفات (البشرية) في الخلق والطبع والسلوك والمواهب، وأنه فوق ذلك يحوي إليه كما كان يوحي إلى الأنبياء من قبله، ولا يوحي أبداً لأحد من بعده، لا لإمام من أئمة آل البيت، ولا لمتنبئ ولا لمدع العيسوية في قاديان. هذه هي العقيدة الصحيحة، فهل المسلمون كلهم عليها؟
إن كثيرين من المسلمين، ولا سيما من يدعي التصوف منهم يرفعون النبي صلى الله عليه وسلم فوق البشر، ويصفونه بصفات الألوهية، والأدلة على ذلك لا تعد ولا تحصى، وأنا أمثل على ذلك بقصائد تتلى صباح مساء، ويتبرك الناس بها، ويظنون أنهم يتقربون إلى الله بتلاوتها وإنشادها، وفيها الكفر الصريح. الذي يعد كفر المشركين من قريش إن قيس به إيمانا، فكفار قريش كانوا إن ركبوا الفلك، ودهمتهم الشدائد دعوا الله، كما أخبر بذلك القرآن، والبوصيري صاحب قصيدة (البردة) التي يتلوها المسلمون خاشعين كأنهم يتلون القرآن، يقول للنبي صلى الله عليه:
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم
ومن المعلوم أن أقوى طرق القصر عند علماء البلاغة هو النفي والإثبات، ولذلك كانت كلمة التوحيد، لا إله إلا الله: نفي الألوهية عن الجميع وإثباتها لله وحده
وهذه القصيدة الأخرى، التي كان مشايخنا. . يتبركون بها، ويتأدبون عند تلاوتها. قصيدة (ما أرسل الرحمن أو يرسل)، يقول صاحبها مخاطباً النبي صلى الله عليه وسلم