قرأت في (الثقافة) الغراء مقالا للكاتب الفاضل الأستاذ محمد فريد أبى حديد بعنوان (القواص المذهب) قال فيه:
(وكانت وظيفة القواص بسيطة جدا تتلخص في أن يقف ذلك الموظف على باب سيده الباشا الكبير، أو الحاكم الجليل لابسا ملابسه الزاهية الموشاة بالقصب الذهبي اللامع. ويحرص على أن يربي شواربه حتى تصير مثل الحبال الطويلة، ثم يبرمها برما شديدا ويشدها بالأذهان حتى تصير مجدولة ترفع طرفيها كالحراب، فيصبح منظره بهذا مهيبا يقع في النفوس موقع الرهبة؛ وصارت هذه الشوارب موضع تفاخر القواصين).
وقد التزم الأستاذ أبو حديد كتابة الكلمة في الأفراد والجمع بالصاد كما رايت، ولعله لاحظ في ذلك لهجتها التي كانت تلفظ بها وحروفها التي كانت تكتب بها في عهد الدواوين التركية، لان وظيفة (القواص) كما وصفها الأستاذ هي الوظيفة التي عرفت بين المصريين وغيرهم من الأمم التي شملتها دولة الخلافة العثمانية في أواخر أيامها. فلم يكم (للقواص) عمل غير الوقوف على الأبواب ولم تزل الكلمة تقترن بأصحاب هذا العمل من الترك والارنؤود والشراكسة حتى حسبت من كلمات اللغة التركية، وكتبها بعضهم في أوربة كما كان ينطقها الترك كفاش ولكن الكلمة على التحقيق عربية من بقايا الدولة العباسية، لان القواسين كانت طائفة من طوائف الجند يحملون الأقواس كما كان اسليافون يحملون الاسياف، والنبالون يحملون النبال، والرماحون يحملون الرماح. ولك يكن عمل القواس في أول عهده مقصورا على الوقوف بالأبواب والأذن لطلاب المثول بين أيدي الأمراء والرؤساء، ولكنه كان يتقدم الأمير في مواكبه أو يخرج بين يديه كلما خرج للصيد أو في محافل العرض العسكري ليحمل له القوس التي يصيد بها أو يستخدمها في الرماية؛ لان الأمير كان يتقلد سيفه ولا يعهد في حمله إلى غيره كما يفعل بالأقواس والرماح.
وكان قادة الجند في أواخر عهد الدولة العباسية من الترك والديلم فاحتفظوا بمراسم الأمارة حتى قامت الدولة العثمانية ونقلت خلفاء المسلمين وأمرائهم من قبلها بعض مراسم الإمارة والحجابة، ومنهامشية القواس بين يدي الأمير ووقفته على بابه وقيامه قواسا بغير قواس