للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بعد أن أغنى عن حامل البندقية والطبنجة، بل بعد أن اصبح القواس نفسه يحمل الطبنجة في حزامه، ولا يعرف ما القوس وما الرماية بالسهام.

وهكذا تعيش الكلمات احيانا، وتفنى الدول والإمارات وما اقترن بها من المعالم والأشياء.

على أن الرجوع بالكلمات إلى أصولها يمضي بنا بعيدا في مجاهل النقل والاستعارة. فإننا نذكر القواس والرماح والسياف ونعلم أن السياف حامل السيف، وان السيف كلمة عربية قديمة من ساف ماله أي هلك كما قال ابن دريد. ولكن بعض الأدباء ينكرون على ابن دريد هذا التعسف في رد الكلمة إلى ساف يسيف ويقولون إنها يونانية الأصل من سيفوس التي حذف منها العرب آخرها كما يفعلون بكثير من أواخر الكلمات وان العرب اخذوا كلمة الحربة من العبرانيين، وهي عندهم من حرب معنى الخرب أو الخراب.

قلت: لا ضير على العرب أن تنقص من لغتهم كلمة بمعنى السيف فقد تغنيهم عنها مئات الكلمات، ولا ضير أن يفقدوا (خربة) واحدة فعندهم الصحراء بل الصحارى التي لا يقدر عليها أحد غير أبناء يعرب وقحطان.

إلا إن الكلمة التي لا يفرط بها العرب ولو كان لهم من اصل معناها ألوف الكلمات هي كلمة (العقل) التي ظن الأب انستاس الكرملي إنها متحولة من اللاتينية فقال في مجلته لغة العرب: (. . . ذكر صاحب تاج العروس سبب تسمية العقل بهذا الاسم وسر اشتقاقه أو اصل اشتقاقه من مادة عقل فقال ما هذا حرفه: واشتقاقه من العقل هو منع لمنعه صاحبه مما لا يليق، أو من المعقل وهو الملجأ لالتجاء صاحبه إليه، كذا في تحرير لابن الهمام. وقال بعض آهل الاشتقاق: العقل اصل معناه المنع ومنه العقال للبعير سمى به لأنه يمنع عما يليق. قال:

قد عقلنا والعقل أي وثاق - وصبرنا والصبر مر المذاق

وقد راجعنا كتب كثيرة في هذا المعنى فرأينا أصحابها لا يخرجون عن القول بأحد هذه الآراء. ونحن لا نرى هذا الرأي، والذي عندنا أن اصل معنى العقل هو العين لأنه عين النفس وباصرتها. ثم مات المعنى المادي وبقى المعنى المجازي، يشهد على ذلك أن اللاتين يسمون العيون والعقل باسم واحد، وهو عقل. .).

كذلك قال الأب انستاس. وقد عقب عليه الأستاذ روكسي ابن زائد العزيزي معلم العربية

<<  <  ج:
ص:  >  >>