نبهني فاضل من علماء الأدب والتاريخ عندنا إلى كلمة (الأموية) نسبة إلى الأم في كتاب (الصديقة بنت الصديق) وقال لي إن النسبة إلى أم (أمي) على حسب القياس، فهل عدلت عنها لعلة؟
وكان تنبيهه هذا تنبيه العالم الذي لا يقطع بالقول قبل أن يسمع مختلف الأقوال، فكان منبهاً ومصححاً ومستفهماً في انتظار البيان والجواب في وقت واحد.
والواقع أن (الأمي) نسبة إلى (الأم) هي القياس الشائع الذي لا خلاف فيه، ولكن الأموي ليست بخطأ ولا هي بخلاف يأتي به مجرد الإغراب وفضول القول، لأن الحاجة ماسة إلى التفرقة بين معنى الأمي الذي شاع على الألسنة والأقلام للدلالة على الجاهل بالقراءة والكتابة، ومعنى الأمي الذي يدل على عواطف الأمومة والنسبة إلى أحد الأبوين
ولا خطأ في ذلك من جانب اللغة والقواعد النحوية، لأن (الأم) أصلها أمه وأمهة، وليس هذا الأصل مأخوذاً من تقديرات النحاة والصرفيين التي لا دليل عليها من المتواتر المنقول، ولكنه مأخوذ من اللغة المستعملة في الخطاب والشعر من كلام المذكورين قبيل الإسلام، ومن ذلك قول قصي ابن كلاب بن مرة جد النبي عليه السلام:
إني لدى الحرب رخي اللّبب ... معتزم الصولة عالي النسب
أمّهتي خندف والياس أبي
فإذا قلبت الهاء واواً كما تقلب في سنه وسنوى وشفه وشفوى وعضه وعضوي، فليس في ذلك خلاف للمأثور ولا للمنصوص عليه، وفيه تيسير للتفرقة بين المعنى المقصود بالأمي والمعنى المقصود بالأموي على الاعتبار الذي قدمناه
يذكرني مجال التخطئة والتصويب في اللغة بقول بعض الحكماء:(إن قليلاً من البحث يؤدي إلى الإلحاد، ولكن الكثير من البحث يرد الملحد إلى الله)
فهذا الكلام بعينه يمكن أن يقال عن التخطئة في اللغة والأخلاق والتفكير وعن كل تخطئة تحتمل الوجوه المتعددة من الآراء، لأن التخطئة سهلة ولكن الدلالة على مراجع الصواب هي التي تشق على الأكثرين، وكذلك يسهل إيجاد الذنب على من شاء ولا يسهل إيجاد