العذر إلا على من خبر الدنيا وسبر الأخلاق وعرف طاقة النفوس وأغوار الطبائع والأخلاق
هذه حقيقة لا يحتاج العالم إلى التذكير بها لأنه يذكرها أبداً ولا يزال شعاره بين شبهات الخطأ والصواب:(وفوق كل ذي علم عليم)
ولكن الذين يحتاجون إلى التذكير بها هم أولئك الأدعياء الذين يقحمون أنفسهم فيما ليس لهم، ويخوضون عباب التخطئة والتصويب وليس عندهم من الزاد إلا محصول الفهارس والعناوين وجزازات اللمامين والجماعين
ومن هؤلاء دعي المقتطف الذي يجترئ على التخطئة في لغة العرب، وهو يقرأ ما أمامه بهذه اللغة فلا يفهمه ولا يخلص منه إلى ظاهر معناه، فضلاً عن باطنه الذي تتجه فيه الأذهان كل اتجاه
فهذا الدعي ينكر أن نقول:(آداب العرب النسائية) لأنه قرأ أن سيبويه نبه على أن النسبة إلى نساء نسوي. . . ويفوته أن سيبويه يتحدث بمذهب البصريين وحده، كما يفوته أن يرجع إلى بنية الفظ وإلى قواعد اللغة، فإن حكم نساء هو حكم نسوة ونسوان بغير اختلاف أياً كان القول في نساء سواء أصح أنها للكثرة أم صح أنها جمع نسوة إذا كثرن، وكلاهما لا يغير الحكم النحوي أقل تغيير
فمن الخطأ (أولاً) أن يقال أن نساء لا تستعمل إلا للكثرة لان القرآن الكريم يقول: (يا نساء النبي) وهن تسع ولا نزاع في أن القرآن مرجع لغوي يؤخذ به قبل كل كتاب وقد جاء في شعر الربيع بن زياد:
من كان مسروراً بمقتل مالك ... فليأت نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء حواسراً يندبنه ... بالصبح قبل تبلج الأسحار
فالنساء بمعنى النسوة في الكثرة أو القلة، تحل إحدى الكلمتين محل الأخرى وتعطي حكمها بلا اختلاف
على إننا نفرض بعد هذا أن النساء لا تقال إلا للكثرة وهو فرض بعيد، فما دخل الكثرة في الحكم النحوي بالغاً ما بلغ الفرق بين عدد النساء القليلات أو النساء الكثيرات
بل نحن نذهب في الفرض وراء ذلك فنقول أن نسوة جمع امرأة من غير نوع الكلمة، وأن