ليس من العجيب أن تكون الدعوة إلى الإصلاح الاجتماعي قديمة قدم الإنسان، فقد كان العالم من قبل غير منسجم مع النزعات البشرية، لأن شيئا جديد طرأ على العالم وهو (العقل) الذي لم يكن شيئاً مذكورا.
أخذ الإنسان بهذا السلاح. وحاول استخدامه، وهو في موقف المقاومه، إزاء جميع القوى المحتشدة عليه، والتي ليس له طاقة بها. حينذاك شعر بأنه أقل من خصمه الحيوان: فالحيوان مسلح بظفره ونابه وقرنه، أما هو فليس له من ذلك شيء، وإذن فهو مضطر إلى تقليده ليدفع عن نفسه كل العوادي بحجر يرمي به أو غصن يتخذه رفيقا له أو ما شابه ذلك مما يقع تحت سمعه وبصره.
وهكذا كان الإنسان في بدء حياته (حيواناً صناعياً) لأنه ألغى سلاح العقل واعتمد سلاح الوحشية، ولا سبيل إلى إنقاذ الإنسان من هذه الوهدة التي تردى فيها والتي كادت تحشره في زمرة الوحوش إلا بالرسالات السماوية تعلو به إلى ما يجب أن يكون عليه من تسام بالروح، وعلو بالعقل، وترفع عن الحيوانية التي أساس العملة فيها الظفر والناب والقرن.
والحكمة من هذه الرسالات السماوية النهوض بالسلاح الإنساني إلى النواحي الإيجابية في الحياة، وتهذيب كل اللغات اليدوية فالروحية والمعاشية، على أحسن وجه وأقوم سبيل.
ولم تكن الرسالات في الحقيقة بدعا من الأمر، وإنما هي من صميم الحاجة الإنسانية وليست منها ببعيد، فإذا ضلت الإنسانية سبيلها، فما عليها إلا أن تعود إلى تعاليم الرسالات، فإذا اهتدت فليس معنى ذلك أنها جاءت بجديد، وإنما هي عادت إلى حيث يجب أن تعود.
وتاريخ الفكر البشري شاهد عدل على ذلك: ففلاسفة اليونان - والقدامى منهم بصفة خاصة - ظلوا ردحاً من الزمن حيارى إزاء ما هم فيه من فوضى في كل مرافق الحياة السياسية والاجتماعية والفردية والروحية. وهم عندما أرادوا لهذه الأحوال إصلاحا بدءوا بإصلاح العقل لأنه السلاح الذي إذا شحذ جيدا كلن أقطع وأمنع مما سواه، بل هو وحده الموصل الجيد للغرض المنشود، وأقرب المسالك إليه.
شاعت السفسطائية قبل سقراط؛ فسادت الفوضى، في الفكر والخلق والدين والسياسة، وإذا