حديث قلبه وقد اختلطت عبرة بعبرة وخفق قلب لقلب وتعانقت زفرة وزفرة، ثم اندفع الركب يسير.
وعشتم - يا صاحبي - في الدار أحزابا ثلاثة: الأب، وهو رجل دين وإيمان، في قلبه العطف وفي روحه الحنان؛ تتأرث الذكرى في جوانحه - منذ يوم الحادثة السوداء - قوية عنيفة، تذكره بالزوجة الأولى - أمك - التي ذاق إلى جانبها لذة العيش ومتعة الثراء وحلاوة الإخلاص؛ والتي يرى صورتها مرسومة - دائماً - على وجوهكم فيرى الزلة التي ارتكب على حين غفلة منه تتشبث به وتخز ضمير، فلا يجد شفاء نفسه إلا في أن يضمكم إلى صدره ضمات شوق وحنان، وإلا في أن يغمركم بالعطف والشفقة، وإلا في أن يبذل لكم من ماله ومن سلطانه، وإلا أن يعقد العزم على شأن يخصكم به ليكون كفارة ما كان. وانطوت السنون وهو لا ينسى. . . والزوجة، وهي فتاة حمقاء أعجزها أن تستميل قلب أبيك بعد أن انكشف خبثها وبدت شيطانيتها، فانكسرت شوكتها وعاشت بينكم غريبة تعاني مرارة الذلة وقسوة الخضوع، لا تحس الراحة ولا الهدوء ولا اللذة. . . أما أنتم فقد ربطتكم الشدة بروابط الصداقة وجمعتكم القسوة بأواصر المحبة، وأنتم ما تزالون في أول الطريق. . .
لقد عقد أبوك العزم على شأن يخصكم به ليكون كفارة الزلة التي ارتكب على حين غفلة منه، فماذا كان منه، يا صاحبي؟ وماذا كان؟