عن المنطق، ويسيطر عليك بكلمات براقة جوفاء، فقلت له (ألست الآن رب هذه الدار وصاحب هذا الغيط وسيد هذا القوم؟).
قال عمك الأكبر (بلى، يا بني، ومن قبل!)
قلت (أليست دار أبي تشرق بالخير المتدفق من غلات هذه الأطيان؟)
قال (بلى، يا بني!)
قلت (والنعمة التي ترفل فبها زوج أبي، والرخاء الذي ينعم به أبي، أليسا من فضل هذا الحقل؟)
قال (بلى وربي!)
قلت (والطعام الذي رفع من بين يدي في قسوة وجفاء، أليس من جني هذه الأرض؟ لقد رفعت يدي - مرغماً - عن طعام تشتهيه نفسي في غير ذنب جنيته، على حين أنه من بعض مالي أنا لقد حرمت الطعام والطف معاً ففزعت إلى هنا لأجد المال والطعام والحرية جميعاً. فلا علي إن أنا فعلت!).
قال عمك الأكبر (ولكنك ابن أبيك، يا بني وهو أبوك!)
فقلت أنت (ولكنه أراد أم يقتلنا جميعاً دفعة واحدة على حين لم نقترف جريرة، ولم نحمل له في قلوبنا غير المحبة والاحترام)
فقال في رقة وهو يحاول أن يحبس عبرة تراود نفسها أن تطفر من بين محجريه (لقد جئنا لنعتذر عن عطلة أبيك حين ندم على ما كان منه. ولشد ما يؤلمه أن تظلوا هنا في منأى عنه وأنتم نور عينيه وسعادة قلبه ولذته العظمى في الحياة وأمله الرفاف حين يهي الجلد ويهن العزم ويذوي العود وتسري الشيخوخة الباردة في دمه. فهل كنت تطمع أن يطير هو إليكم ليعتذر؟)
وسمعت - يا صاحبي - كلمات عمك وهي تفيض حناناً ورحمة فتهاوت قوتك وانهارت عزيمتك، وأطرقت تكرر كلمات عمك في همس والعبرات تنهر من عينيك سلا ينبئ بأنك مازلت صبياً لم يدنسك الدغل ولا شوهك الغيظ ولا لوثتك المادة، ثم نظرت إلى الجمع من خلال عبراتك الطاهرة وقلت (لا ريب، فهو أبي. . . ولا أعصي له أمراً، فمر بما يريد)
وانطوت ساعة فإذا أنتم بين يدي أبيكم يضمكم في شوق، ويقبلكم في شغف، ويحدثكم