سلام عليك. لا أقول هذه ثالثة الرسائل خيفة أن تقول في نفسك (ثالثة الأثافي) بل أقول هذه الرسالة الثالثة أرسلها إليك من استنبول لأصف لك مما رأيت
خرجت من مسكني في تقسيم أؤم المتحف العسكري ومعي زميلي الدكتور زيادة، فلما أجزنا الجسر - جسر غلطة شرعت السماء ترذّنا، حتى إذا بلغنا ساحة أياصوفيا وملنا شطر قصر (طوب قبو) انهمر المطر فأوينا إلى الباب، وهو باب شاهق واسع عليه الطغراء السلطانية، يمتدّ على جانبه سور عال كأسوار القلاع، أوينا إليه مع من ألجأهم المطر؛ وازداد المطر انهماراً فطال بنا الوقوف. ولست أنسى مشهداً رائعاً شهدته هنالك: إلى اليسار سبيل السلطان أحمد في جمال هندسته وحسن نقشه، وحلىً من الخط والمعنى تتجلى بها أبيات من الشعر أطافت به؛ وإلى اليمين جامع أياصوفيا يبدو جانب من قبته ومأذنتان من مآذنه الأربع؛ وأمامي على بعد جامع السلطان أحمد في جلال قبابه. وجمال بنائه، قد علت قبته ومآذنه السّت أهّلةٌ ذهبية يزيدها المطر اشتعالاً. وهيهات أن تذهب بنور التوحيد سُدَف الدجن أو شآبيب المطر، وجامع السلطان أحمد أجمل جوامع استنبول في رأيي وأكثرها إضاءة في قلب الداخل وعينه. ما يزال الطرف يتقلب بين جدرانه وأساطينه وقبابه حتى إذا بهره الجمال والجلال استراح إلى مرأى البحر من خلال النوافذ الزجاجية الجميلة. وقد دخلته قبل ثماني سنين، فلما رأيت هذه الأساطين الأربع الهائلة قلت (يا لك أربعة أساطين حملت الدنيا والدين!)
خف المطر فأسرعنا صوب المتحف العسكري فإذا هو مقفل إلى الظُّهر فأوينا إلى باب (الضربخانة). ولما أذن المطر بالمسير انصرفنا نسير في أرجاء المدينة. ثم عدنا إلى المتحف، وهو في كنيسة قديمة اسمها سنت أدنيا، رُصّت خارجه مدافع كثيرة جاهدت في