للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بمناسبة المولد النبوي]

تطور البديعيات في مدح الرسول

للأستاذ حامد حفني داود الجرجاوي

كان للقرآن في صدر الإسلام معجزته الكبرى حين نشأت علوم اللغة والأدب لتفسر وجوه إعجازه وتوضح بلاغة آياته وسوره. وبسبب هذه الأجواء العلمية - التي حاكها حولها ونسج خيوطها بين يديه في بلاغته الساخرة وآياته الباهرة - كان الغاية الكبرى التي تنتهي إليها هذه العلوم وتدرس من أجلها هذه الفنون؛ وقد كانت الوسائل القوية والوشائج المتينة التي تصل بالدارس إلى معاني القرآن وفهم أسراره وكشف مقاصده، فاللغة والنحو والصرف والبلاغة وغيرها من علوم الأدب - مضافاً إليها علوم الشريعة وعلوم الحقيقة - وجدت من هذه الغاية الكبرى مبدأ لتكوينها وسبباً قوياً لنشأتها، كما أنها جميعاً وجدت من تطور الدراسات القرآنية خطوطاً أولية تمثل تطور حياتها وترسم طريق مستقبلها.

ولم يكد القرآن ينتهي من أداء هذه الرسالة الإعجازية حتى تضافرت معه قوة جديدة تصور نفسه الغاية هي (المدائح النبوية) فقد كان لهذه الأخيرة صداها منذ القرن الأول حين نظم كعب ابن زهير (٢٦هـ) قصيدة (البردة) بين يدي الرسول الأعظم، فكانت قصيدته أول قصيدة كلاسيكية تقليدية في مدح الرسول. ثم جاءت على إثرها قصائد الشعراء في القرون المتعاقبة.

وفي القرن الثامن اشتقت المدائح النبوية طريقاً خاصاً بها حيث اصطبغت بالصناعة اللفظية وعنى واضعوها بوجوه المحسنات البديعية. ومن هنا حملت المدائح النبوية الرسالة العلمية التي حمل مثلها القرآن في علوم الأدب منذ سبعة قرون مضت. وبينما كانت (رسالة القرآن) رسالة عامة انتفعنا من ورائها في إحياء علوم الدين وعلوم الأدب كانت (رسالة المدائح النبوية) رسالة خاصة انتفعنا بها في تطور علوم البلاغة وفيما أحدثه الشعراء من ضروب البديع التي اصطنعوها في مدائحهم.

في هذه الحقبة من القرن الثامن أخذ القوم يخرجون مدائحهم النبوية في قالب خاص من علوم البديع حتى سميت (البديعيات). وكانت هذه البديعيات أشبه بكتب مفردة سجلت فيها فنون البديع وأنواعه ومصطلحاته، وظلت هذه البديعيات دستور البديع وديوان فنونه

<<  <  ج:
ص:  >  >>