وسجل مصطلحاته في سائر القرون التي تلت القرن الثامن حتى وصلت إلى عصرنا هذا.
وأول بديعية وصل إليها تحقيقنا في القرن الثامن هي التي نظمها صفي الدين الحلي المتوفى سنة ٧٥٠هـ، شرحها صاحبها في كتاب خاص سماه (النتائج الإلهية في شرح الكافية البديعية). قال ابن حجر العسقلاني:(. . . وبديعيته مشهورة وكذا شرحها، وذكر فيه أنه استمدها من مائة وأربعين كتاباً) وبدأ الحلي بديعيته مستلهماً ما جاء ببردة (البوصيري) من ذكر الأماكن الحجازية كذي سلم وسلع والعلم فقال:
إن جئت سلعا فسل عن جيرة العلم ... واقر السلام على عرب بذي سلم
وذلك تقليد قديم احتذاه الشعراء من قبل صفي الدين الحلي ثم أصبح نظاماً تقليدياً استنه الشعراء لأنفسهم من بعده. وفي هذا البيت يشير الشاعر إلى براعة المطلع والتجنيس المركب والمطلق. ثم ينتقل بك إلى تجنيس التلفيق في البيت الثاني:
فقد ضمنت وجود الدمع من عدم ... لهم ولم أستطيع من ذاك من دم.
ويستمر صفي الدين في هذا النحو حتى ينتهي من بديعيته في مائة وخمسة وأربعين بيتا، يذكر فيها سائر فنون البدع التي عرفت في زمنه: كالمذيل والملاحق، والمتام والمطرف، والمصحف والمحرف، واللفظي والمقلوب، والمعنوي، والطباق، والاستطراد، والتوشيح، والمقابلة، واللف والنشر، والتبديل، والالتفاف، والهزل الذي يراد فيه الجد، وعتاب المرء نفسه، ورد العجز على الصدر. . . وهكذا يسير في بديعيته المشهورة حتى يذكر لنا مائة وخمسة وأربعين فناً من الفنون البديع، فيخص كل بيت منها بفن من هذه الفنون. ويختم بديعيته ببراعة الختام فيقول في البيت الأخير منها:
فإن سعدت فمدحي فيك موجبة ... وإن شقيت فذنبي موجب النقم
ومن ذلك نعلم أن المذابح النبوية خدمت علوم البلاغة فكانت حافزاً على نمائها وتطورها إلى هذا العدد الذي ذكره الحلي في بديعيته. وقد كانت الحلي مدرسة تبعة فيها تلاميذه في تذبيح البديعيات كالصلاح الصفدي (٧٦٤هـ) وابن جابر الأندلسي (٧٨٠هـ) الذي وضع بديعيته في مائة وسبعة وسبعين بيتا وعز الدين الموصلي (٧٨٩هـ) الذي وضع بديعيته في مائة وخمسة وثلاثين بيتاً.
وفي القرن التاسع كان لابن حجة الحموي المتوفى سنة ٨٣٧هـ من الشأن ما كان لسلفه