الحلي في القرن الثامن، فكلاهما كان زعيم حلبة الشعراء الناهلين من بحور البديع، وكلاهما كان ذا خطوة في الأدب واطلاع واسع في فنون البلاغة؛ إلا أن ابن حجة كان كما يحدثنا: ابن العماد الحنبلي والأستاذ بروكلمان - مزريا بغيره من الشعراء، ينظر إلى شعراء عصره كأحد تلامذته. ولقد كان لديوانه (ثمرات الأوراق) شأن كبير. وتسمى بديعيته (بديعية ابن حجة الحموي أو تقديم أبي بكر) سار فيها على طريقة الحلي، وتقع في مائة وعشرين بيتاً. ثم شرحها في كتاب آخر سماه (خزانة الأدب وغاية الأدب).
ونحا هذا النحو شرف الدين ابن المقرئ (٨٣٧هـ) الذي وضع بديعية أخرى تقع في مائة واثنين وأربعين بيتاً، شرحها في كتاب سماه (شرح الفريدة الجامعة للمعاني الرائعة).
ثم كان من نتيجة دراسة المدائح الدينية في هذه الصورة التي لمسناها خلال القرنين الثامن والتاسع أن تعمق القوم في دراسة البديع في القرن العاشر خطوة تحليلية خاصة. وبذلك كانت دراسة البديع في القرن العاشر خطوة واسعة تمثل تطور البديعيات في ذلك القرن. فظهرت (الطريقة التحليلية) في دراستها في شخصية عظيمة عرفت بالأبحاث الخاصة والمؤلفات المفردة بالفنون المختلفة - هي شخصية جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة ٩١١هـ.
وقد بدأ السيوطي بديعيته على عادة الشعراء ببراعة الاستهلال فقال:
من العقيق ومن تذكار ذي سلم ... براعة العين في استهلالها بدم
واختتمها بقوله:
واكتب مد الدهر في الدنيا لنا حسنا ... حتى أرى عند موتي حسن مختتمي
هي بديعية رصينة تقع في مائة وثلاثة وثلاثين بيتاً عارض فيها بديعية ابن حجة الحموي المسماة (تقديم أبي بكر) ويلمس قارئها صوراً من طريقته التحليلية. وأنت تحس كثيراً من إعجابه بنفسه حين تقرأ له شرح البيت الأول: (وما أحسن التورية الواقعة في التسمية حيث جعلت براعة العين في استهلالها البكاء بالدم بدل الدمع مع إكثار ذكرت للعقيق وبكائها حتى غلبت الحمرة على الدمع مجانسة للعميق ثم قال: وأنظر بذوقك ما الفرق بينه وبين قول ابن حجة. . .
وجاء بعد السيوطي جماعة كثيرون تأثروا بروحه التحليلية واشربوا طريقته فعكفوا على