للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[افتتاح إفريقية]

وكيف غزاها الاستعمار الأوربي

بقلم مؤرخ كبير

ليست المشكلة الإيطالية الحبشية التي تكدر اليوم سلام العالم سوى نفثة جديدة من نفثات الاستعمار الغربي، وطموح أمة أوربية قوية إلى غزوا أمة إفريقية ضعيفة تزخر أرضها بالثروات الطبيعية الدفينة التي ما فتئت تحفز الاستعمار إلى الغزو والتغلب، وإلى اجتياح الأمم الضعيفة الآمنة؛ فهي ليست بذلك مشكلة دولية بالمعنى المعروف، وإنما هي محاولة أوربية جديدة لاجتياح آخر أرض في إفريقية استطاعت أن تنجو حتى اليوم من عدوان الاستعمار

كانت القارة الإفريقية منذ قرن فقط، منطقة بكرا، لا يكاد الغرب يعرف شيئا إلا عن أممها الشمالية التي تحتل الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط، والتي كانت تتمتع مدى الأحقاب بحضارات زاهرة؛ وكانت هذه الأمم المتمدنة الزاهرة - مصر وبلاد المغرب - تكاد تحجب ما وراءها من أمم القارة السمراء، وتكون دون اجتياحها سداً منيعاً يحميها من مطامع الاستعمار الغربي الذي استطاع منذ القرن السادس عشر أن يجتاح الأمريكيتين، وأن ينفذ إلى الشرق الأقصى، واستطاع منذ القرن الثامن عشر أن يستقر في الهند. ومنذ أواخر هذا القرن أيضا توالت بعوث الاستعمار إلى إفريقية، فنفذت إليها من الشرق والغرب والشمال، وأثارت اكتشافات الرحل مثل منجو بارك ودنهام وكلابرتون ورنيه كاييه وستانلي ولفنجستون وغيرهم في الأمم الأوربية مطامع وآمالا جديدة، وبعثت النهضة الصناعية إليها رغبة قوية في استعمار تلك المناطق الجديدة واستغلال ثرواتها الدفينة، واستعباد شعوبها المتأخرة وتسخيرها في سبيل الغايات الاستعمارية

وكانت أمم إفريقية الشمالية، وهي مفتاح القارة، بالطبع محط المشروعات والمحاولات الأولى؛ وكانت أسبانيا أسبق الأمم الأوربية إلى التطلع إلى تلك الأمم المغربية التي تواجهها في الضفة الأخرى من البحر والتي خاضت معها من قبل كثيرا من المعارك، والتي استطاعت أيام قوتها وازدهارها - أيام المرابطين والموحدين - أن تغزوا أسبانيا وأن تحتل قسمها الجنوبي أعني أسبانيا المسلمة؛ ومنذ أيام الإمبراطور شارلكان وولده فيليب

<<  <  ج:
ص:  >  >>